عبد الله حمدوك رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”
بمناسبة مرور عام على حرب 15 ابريل
بسم الله الرحمن الرحيم
أبناء وبنات شعبنا السوداني الصامد الصابر، داخل وخارج السودان
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تكمل الحرب التي تمزق بلادنا عامها الأول، إثني عشر شهرا من الموت والخراب، وفي كل يوم من أيامها تزداد معاناة أبناء وبنات شعبنا، فقد عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين من أبناء الشعب السوداني حياتهم، وتشرد الملايين بين مدن النزوح وأقطار اللجوء، ويفتك الجوع والمرض والفقر بالملايين، وتتقطع أوصال الدولة وتنقطع خطوط التواصل بينها، تنهار بنياتها الأساسية التي تم تأسيسها بجهد ومال الشعب، ويفقد الناس ممتلكاتهم وأموالهم التي تم نهبها وسلبها، وتواجه بلادنا خطر الانقسامات على أسس عرقية وإثنية مما يهدد بالانهيار الكامل.
لم تندلع هذه الحرب فجأة بل كانت أسباب تفجرها تتراكم يوما بعد يوم، وقد ظللنا نحذر من لحظة اقترابها، ونتحدث عن ما ستجلبه على بلادنا من كوارث ومصائب، وندعو للتمسك بالحوار والوسائل السلمية، مستلهمين هذه الروح من ثورتنا العظيمة التي تمسكت بسلميتها رغم كل ما واجهها من عنف وعنت وتآمر، ورغم ما قدمته من أرتال الشهداء السلميين، سلاحهم الوحيد هو الهتاف.
كان التآمر عل الثورة قد بدأ منذ يومها الاول، بالإعلان عن الالتزام بأهدافها، ثم التخلي عنها ومحاولة وأدها، مثلما حدث في مذبحة فض الاعتصام. ثم التوقيع على المواثيق والاتفاقات ونقضها، والعمل مع أعداء الثورة، وتم تتويج ذلك بالانقلاب الذي وقع في 25 أكتوبر 2021، وأعلن نهاية عملية الانتقال الديمقراطي والانقلاب على الثورة وأهدافها. إلا أن المقاومة البطولية لشباب الثورة، والتي لم تتوقف يوما، أرغمت الإنقلابيين على التراجع ومحاولة البحث عن مخرج، لكن وكما حدث أكثر من مرة، سدوا كل منافذ الضوء التي قدمها لهم الشعب بتضحيات وفداء عظيم، وقادوا بلادنا إلى هذه المحرقة.
لقد ظلت القوى المدنية، على تنوعها واختلاف برامجها، هي الحريصة على استعادة مسار الانتقال الديمقراطي، لكن رغم ذلك فإننا لا ننكر الأخطاء التي ارتكبت خاصة فيما يتعلق بوحدة قوى الثورة والتي كانت يجب أن تكون فوق كل اعتبار، لأنها هي الضمان الوحيد للحفاظ على الثورة، وأهدافها. لقد انشغلت القوى المدنية، من أحزاب ومجتمع مدني وقوى مهنية ولجان مقاومة، بالخلافات الصغيرة، وفتحت ثغرات في جدار الثورة نفذ من خلالها أعداء الثورة وأعداء بلادنا.
رغم كل ما تقدم وما وقع من أحداث، فقد ترفعنا عن كل دافع ذاتي وشخصي، وظلت بوصلتنا مصوبة نحو مصلحة وسلامة وأمن بلادنا وشعبنا، وبذلنا، مع الحريصين من أبناء الوطن، جهودا لمنع انفجار الأوضاع، ولم تتوقف الاتصالات الداخلية والخارجية. إلا إن النية كانت مبيتة عند البعض لإشعال الحرب، غير مباليين بنتائجها وآثارها على البلاد.
ومنذ ذلك اليوم لم تتوقف مجهودات القوى المدنية لوقف الحرب، استمرت الاتصالات مع طرفي الحرب، كما تتابعت الاتصالات مع القوى والمنظمات الإقليمية والدولية، وتابعنا في نفس الوقت في محاولات توحيد كل القوى الرافضة للحرب في جبهة موحدة، بلا استثناء، وكان شعارنا ودافعنا هو أن تتوقف معاناة شعبنا، وأن نبذل كل جهد ونقدم كل ثمن ممكن لذلك. وقد استغرق الأمر وقتا، حتى استطعنا قطع خطوة مهمة في المشوار بالاجتماع الموسع الذي تم في أكتوبر 2023 في أديس أبابا ونتج عنه تكوين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”. وقد تواصل العمل بعد ذلك، وقدمنا الدعوات للقوى السياسية وقوى الكفاح المسلح والقوى المدنية والمهنية ولجان المقاومة للانضمام لهذه الجهود، والمساهمة في بناء الجبهة. وقد وجدنا استجابة طيبة، ومددنا أيدينا لمن لا يريدون الانضمام للجبهة، لكنهم يعملون على وقف الحرب، لتنسيق الجهود بأي صيغة يقبلونها.
وفي نفس الإطار قدمنا الدعوات لطرفي الحرب، قائد الجيش الفريق اول عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع الفريق اول محمد حمدان دقلو ، للقاء مع قيادة “تقدم” لبحث سبل إنهاء الحرب، ، ووجدنا ردودا إيجابية. وفي هذا الإطار التقينا بقائد قوات الدعم السريع في أديس أبابا، وقد تم الإعلان عن مخرجات اللقاء، التي لم تخرج عن جهود وقف الحرب، ونتطلع للقاء مع القائد العام للقوات المسلحة.
كما تواصلنا مع الدول والمنظمات الاقليمية والدولية المهتمة بوقف الحرب وتحقيق السلام في السودان، وشاركنا في قمة الإيقاد الاخيرة في كمبالا، كما سبق والتقينا بالرئيس الحالي للإيقاد فخامة الرئيس إسماعيل عمر قيلي في جيبوتي. وتأتي مشاركتنا اليوم في مؤتمر باريس للفت أنظار العالم للظروف المأساوية التي يعيشها شعبنا ولندعوه لتحمل مسؤولياته تجاه بلادنا وشعبنا باعتبار عضويتنا في المجموعة الدولية، واستنادا للمواثيق والمعاهدات الدولية. وفى هذا المقام، نود ان نعرب عن عميق تقديرنا للاشقاء والأصدقاء لوقوفهم مع الشعب السودانى في محنته ومساعسهم الحثيثة لوقف هذه الحرب.
في كل هذه الاتصالات واللقاءات، وما سيجري منها مستقبلا، كانت وستظل عيوننا مفتوحة على حياة وسلام وأمن الملايين من أبناء وبنات وطننا، ونحن نفعل هذا دون أن نكون منحازين لأي طرف في الحرب، لكننا في نفس الوقت لسنا محايدين أو وسطاء. نحن منحازون لأسر الشهداء من العسكريين والمدنيين، ومن كل الاطراف، ومنحازون لمن سلبت أموالهم وممتلكاتهم وتعرضوا لجرائم وانتهاكات خطيرة، منحازون للملايين الذين تم تشريدهم من مناطقهم فاتجهوا لمواقع النزوح واللجوء، منحازون للجوعى والفقراء الذين يعرضهم استمرار هذه الحرب للموت أمام أنظار العالم، منحازون للبرنامج الوطني الديمقراطي من أجل وطن يسع الجميع ومن أجل المواطنة بلا تمييز.
إننا نتفهم حجم الغبن والحزن والغضب الذي يعتمل في نفوس الذين تعرضوا لجرائم القتل والسلب والنهب والاغتصاب، وأرغموا على مغادرة مساكنهم ومدنهم وقراهم، ونحترم حقهم في المطالبة بالعدل والقصاص، ونعمل من أجله، لكننا نرى أن على القيادات السياسية المدنية والعسكرية والمجتمعية أن تنظر لابعد من ذلك، وتدرك أن استمرار الحرب لن يعيد الحقوق أو يوقف الجرائم أو يحقق العدل والقصاص، بل أنه يفتح الباب لمزيد من الجرائم والانتهاكاات، ويدمر ما تبقى من مصادر وثروات البلاد، ويهدد حياة ملايين أخرين.
من هنا تأتي مواقفنا الداعية لوقف الحرب ومعالجة الأوضاع الإنسانية ووقف استهداف المدنيين، واستعادة مسار التحول الديمقراطي، وفتح حوار موسع يؤدي لتشكيل هياكل الانتفال، وهي مواقف تصب في مصلحة الوطن والمواطن. ولن يتحقق ذلك إلا بالعودة لمنبر التفاوض واتخاذ الحل السلمي التفاوضي طريقا لإنهاء الحرب ومعالجة أثارها.
وأخيرا نقول إننا نفعل ذلك التزاما بحق الوطن علينا، لم نناقش توزيع أدوار أو مناصب، ولن نفعل، فنحن نعلم أنه عندما يحين الوقت لهذا، فإن هناك الآلاف من أبناء الوطن المؤهلين لتحمل المسؤولية والنهوض بأعباء إعادة بناء ما خربته الحرب، وسيجدوننا عونا لهم من حيث نقف.
حفظ الله بلادنا وشعبنا وأعاد له الأمن والسلام والاستقرار.
| 14 أبريل 2024 |