بيتي الحبيب .. مسَكَني الوفي و صَرْحي الدافئ .. مَثْوايا الحنين و مَقْطَني الرفيق .. داري ومقري ومقامي .. اشتقنا والله احتاجك كثيراً وأحن لكل تفاصيلك، استرجع لحظات قضيتها فيك ومعك و بك، افتقدك في كل صباح يسلم وكل شمس تستأذن وقمر يغفو و أمل يتاوق.
أشتاق لإحساس العودة الى البيت من عمل أو سوق أو زيارة أو نزهة، أحتاج للسترجاع ذاك النداء مجدداً في كل مشوار أخرج له و ييلغ مني إرهاق أو إعياء أو (زهج) فيهتف المنادي داخلي بيتنا بيتنا …..عودي إلى بيتك .
أحتاج لشعور المفتاح في القفل …الولف والعشرة النبيلة بين المفتاح والقفل والمقبض والعلّاقة هي مصاهرة و علاقة ثقة راسخة لا تفسدها إلا ذاكرتنا الهشه التي تخون القفل بضع مرات فيسقط المفتاح سهواً في شارع أو متجر وتبدأ محاولات التعويض بالنسخ الأخرى أو مغازلة الجرس .
إنه الروتين الصحي، فتح الباب الخارجي والبحث عن مفتاح الباب الذي يليه في علّاقة المفاتيح …و سحب (دعاسة ) الأقدام بكسل وقوفاً دون انحناء بأصابع الحذاء.
تلك هي بيوتنا .. اشتقت لرائحة منزلي وروحه لكل شيء البلاط و النوافذ والأبواب ، الأريكة السجاد الستائر ، أبجورتي وثرياتي و لوحاتي ومفاتيح إضاءتي ….اشتقت لمطبخي و أطباقي، اشتقت لنشرة الأخبار في تلفازي ولكوب من القهوة على بوتجازي ولقطعة من الكيك في ثلاجتي و بقايا وجبة على سفرتي لكباية الشاي باللبن خاصتي لا أشرب الشاي إلا بها هي جزء من طقوسي وضبط مزاجي و تعويذة مقالاتي…
افتقد ملاءتي وسريري .. إبتساماتي دموعي وضحكتي على وسادتي .. أفتقد ألبومات صوري ..صور أبوي عليه رحمة الله وغفرانه، صور أمي اسأل الله أن يمنحها الصحة والعافية وهي بعيدة عني لأول مرة في هذا العيد البارد …صور أخواني وأخواتي، أسرتي الصغيرة وعائلتي مناسباتنا أفراحنا ولماتنا ، حفلاتنا وتخاريجنا…رحلاتنا وكراماتنا…أعيادنا ورمضانا…ونستنا و شاي مغربنا
أشتاق لأصدقائي وصديقاتي ….زملائي وجيراني.
جيراني الذين كانت تسبقني دوما عبارة ثابتة كلما التقيت أحدهم: “عليكم الله اعفو لي يا جماعة مقصرة فيكم “….ذاك الاعتذار الخجول عن عدم تلبية دعوة زواج او كرامة أو مناسبة خاصة ….بسبب إيقاع الحياة الذي سرق منا كل شيء التواصل والتراحم وسرق الوطن.
اشتقت لبلكونتي وشجيراتي و إطلالتي .. عطوري
دولابي وملابسي …ذاك الفستان ….وتلك الطرحة ثوبي السوداني حقائبي…و اكسسواراتي كتبي ذكرياتي ومذكراتي مقالاتي و تحقيقاتي، ارشيفي الصحفي كتب الجامعة والثانوي حقيبة الطفولة مجلات ماجد وسمير وكابتن سمير وميكي جيب والصبيان
مكتبتي و مكتبة أطفالي جيفارا والخيميائي ومائة عام من العزلة، تدمير اقتصاديات الأمم مخابرات العالم ونظريات المؤامرة صلاح السعدني على باب الله و الطيب صالح ومصطفى أمين ومنصور خالد نخب السودان وإدمان الفشل هيكل وأنيس منصور ، مستغانمي عليك اللهفة و بت السمان وجبران .
اشتقت لسوداني وأحن للخرطوم وأتوق لمنزلي…فكل يوم في الغربة يزيدنا وجعاً على الوطن المواقيت ….تفاصلينا الخاصة … رمضان …وليس آخرها صباح العيد .
*خارج السور:*
لكل منازلكم لكل تفاصيلكم الصغيرة و ذكرياتكم عائدون إليها عائدون إلى بيوتنا وإن طال السفر