تقرير يكشف تفاصيل تزوير وثائق رسمية لاستهداف الجيش السوداني
متابعات- صوت السودان
كشف “مرصد بيم”، عن تلاعب بالرأي العام عبر تزوير وثائق رسمية يستهدف القوات المسلحة وداعميها
نشر حساب باسم مصطفى سيد أحمد “ود سلفاب” على منصة فيسبوك خطابًا منسوبًا لجهاز المخابرات العامة ولاية الجزيرة، ينص على أن الجهاز رصد خلايا الطابور الخامس بالولاية ممثلين في النازحين من أبناء إقليمي دارفور وكردفان وأعضاء قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة.
وذهب الخطاب إلى أن الجهاز اعتقل من أسماهم بالطابور الخامس من الفئات المذكورة وتحفظ عليهم في مقاره. بيد أن قادة القوات المسلحة ممثلين في رئيس أركان الجيش وقائد الفرقة الأولى مدني لا يتعاونان مع الجهاز، مما يضعهما في خانة الطابور الخامس.
وأفاد الخطاب؛ أنه من الممكن أن تسيطر الدعم السريع على الولاية في غضون 72 ساعة إن لم يتم إرسال قوات إضافية، وختم بأن الجهاز يوصي بعزل قائد الفرقة ووالي ولاية الجزيرة واستبدالهما بوالٍ عسكري.
تحقق فريق «مرصد بيم» من صحة الخطاب وتوصلنا إلى أنه مفبرك، حيث يخلو الخطاب المعني من ترويسة الشعار الداخلي لجهاز المخابرات العامة التي وردت في جميع مخاطباته الرسمية المنشورة. كما فحص فريقنا الخطاب عبر استخدام أدوات التحقق الرقمي المحسنة واتضح لنا أن الختم وشعار جهاز المخابرات العامة وشعار ولاية الجزيرة تمت صناعتهما إلكترونيًا والتلاعب بهما كما يتضح في الصورة.
لاحظ فريقنا أيضًا، أن الخطاب أكد في مقدمته على رصد واعتقال النازحين من إقليم دارفور وكردفان وأعضاء لجان المقاومة والحرية والتغيير. ذات هذا النص ورد في خطاب منسوب لوالي ولاية الجزيرة معنون بأمر طوارئ رقم 14، وحين تحققنا من صحته وجدنا أنه مفبرك ولم يرد في أمر الطوارئ رقم 14 الصادر عن والي الجزيرة.
قادنا هذا الأمر إلى البحث أكثر في الحساب.
تضليل الرأي العام عبر تزوير الخطابات الرسمية
توصلنا إلى أن الحساب نشر على مجموعة تسمى «الوثائقية السودانية لثورة ديسمبر2018 المجيدة» منذ 12 أغسطس الماضي وحتى اليوم، 14 ملفًا تنوعت بين الخطاب \ بيان \ أمر تعيين وإقالة\ تصديقات مالية، جميعها مفبركة، وجميعها منسوبة لجهات تتبع لحكومة الأمر الواقع أو مؤيدة لها.
بعض الصور التي توضح المنشورات التي نشرها الحساب موضع التقصي في عدد من المجموعات من ضمنها مجموعة «الوثائقية السودانية لثورة ديسمبر2018 المجيدة»
على سبيل المثال؛ نشر الحساب المعني في 9 نوفمبر الماضي خطابين منسوبين لمجلس السيادة يفيدان بإعفاء حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي ووزير المالية المكلف جبريل إبراهيم من منصبيهما، وكان فريق «مرصد بيم» قد تحقق من الخطابات وصنفها مفبركة.
جاء ذلك المنشور بالتزامن مع إصدار قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، قرارًا قضى بإعفاء عضو المجلس الهادي إدريس رئيس حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي من منصبه.
بتاريخ 16 نوفمبر نشر الحساب المعني نص قرار منسوب لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان يقضي بإلغاء اتفاق سلام جوبا، مرفق مع الخطاب ادعاء يفيد بأن قائد الجيش خيّر (مناوي وجبريل) بين القتال لصالح الجيش أو إلغاء اتفاق سلام جوبا، وقد اختار المذكورين منصبيهما وقررا القتال لصالح الجيش، بحسب الادعاء.
جاء ذلك المنشور بالتزامن مع إعلان عدد من حركات جوبا الخروج من خانة الحياد والانحياز للجيش بينها حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل وحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي.
في السابع عشر من نوفمبر، أي بعد إعلان بعض حركات سلام جوبا الانحياز للجيش، نشر الحساب المعني بيانًا مفبركًا منسوبًا للمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة يطالب فيه قائد الجيش بخروج قادة الحركات المسلحة من مدينة بورتسودان في مدة أقصاها أسبوع، وذلك بسبب إعلانهم القتال ضد الدعم السريع بحسب البيان المفبرك.
في اليوم التالي، 18 نوفمبر نشر الحساب المعني خطابًا مفبركًا يفيد بأن قائد الجيش صدق مبلغ 300 مليون دولار لصالح حركات سلام جوبا لشراء المعينات والنثريات وذلك لمشاركتها الجيش في حربه ضد الدعم السريع.
فساد مشترك بين العاملين في مؤسسات الدولة
يزعم الحساب عبر البيانات المفبركة أن هنالك قضايا فساد اشترك فيها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ووزير المالية جبريل إبراهيم ومدير الشركة السودانية للموارد المعدنية السابق مبارك أردول.
على سبيل المثال نشر الحساب في الرابع عشر من أغسطس خطابًا منسوبًا لنيابة مكافحة الثراء الحرام، يفيد بأن الأخيرة طالبت مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية بإفادتها حول الأموال التي يملكها خارج السودان والعقارات في جمهورية مصر العربية.
وفي ذات المنشور ضمن الحساب خطابًا آخر منسوب للشركة السودانية للموارد المعدنية يرد فيه مديرها السابق مبارك أردول على النيابة قائلًا: إن الأموال خارج السودان تعود ملكيتها لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان وتقدر بـ 190 مليون دولار وقد تم تجنيبها لاستخدامها في أغراض تخص الدفاع، بحسب ما ورد في الحساب.
عند فحص تلك الخطابات تبين أنها مفبركة.
في السابع والعشرين من أغسطس أي بعد أسبوعين من نشر الخطابات المفبركة المنسوبة للنيابة ومدير الشركة السودانية، نشر الحساب خطابين يتضمنان مكاتبات رسمية بين وزارة المالية والشركة السودانية للموارد المعدنية، تفيد بأن المالية صدقت بمبلغ 50 مليون دولار لشراء معدات للشركة السودانية بطلب من الأخيرة.
ادعى الحساب كذلك أن هنالك فسادًا مشتركًا بين وزير المالية جبريل ابراهيم ومدير الشركة السودانية للموارد المعدنية، حيث أفاد الحساب أن المعدات المذكورة في مجملها تكلف 5 ملايين وخمسمائة ألف دولار مما يعني أن هنالك مبلغ 44.500.000 دولار، ستذهب إلى الحسابات الخاصة لـ( جبريل وأردول)، تحققنا من الخطابات وتوصلنا إلى أنها مفبركة.
وفي 30 سبتمبر نشر الحساب خطابين يتضمنان مكاتبات رسمية بين المجلس الأعلى لنظارات البجا و والي ولاية البحر الأحمر، يفيدان أن المجلس طالب بترحيل الشركة السودانية من الولاية فورًا وذلك لتورط مديرها والموظفون في قضايا تتعلق بالأخلاق العامة والدعارة، وذهب الخطاب المنسوب للوالي إلى أن الولاية وافقت على ذلك ووجهت بترحيل الشركة إلى أقرب ولاية.
تحققنا من صحة الخطابات وتوصلنا إلى أنها مفبركة، كما أنه بالرجوع إلى التاريخ المعني وجدنا أن الشركة تعمل بصورة طبيعية في مقرها بالبحر الأحمر.
وزير الدفاع مجند لدى الدعم السريع وفق انتمائه القبلي
في الأسبوع الثاني من أغسطس الماضي تداولت حسابات على منصات التواصل الاجتماعي خطابًا منسوبًا لوزير الدفاع السوداني يس إبراهيم يعلن فيه عن تشكيل هيئة قيادة جديدة ويفيد بعزل قائد الجيش البرهان ومساعديه، وهو الأمر الذي نفاه المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع السودانية في بيان له.
وفي السياق نفسه، نشر الحساب موضع التحقق خطابًا مفبركًا يحمل ختم هيئة الاستخبارات العسكرية وتوقيع مدير الادارة العامة للأمن العسكري، يفيد بأن وزير الدفاع يس إبراهيم عميل لدى قوات الدعم السريع وقد تم تجنيده عبر الولاء القبلي. كما تم رصد مكالمات بينه وقائد ثاني الدعم السريع وأن سقوط مواقع عسكرية مثل منظومة الصناعات الدفاعية وبعض المواقع في العاصمة الخرطوم كان وفق معلومات وفرها الوزير المعني للدعم السريع. وأن الأخير أصدر قرارًا بتشكيل هيئة قيادة جديدة للقوات المسلحة والتي أنكرها فيما بعد بحسب الادعاء.
تحققنا من صحة الخطابات وتوصلنا إلى أن جميعها مفبركة. ويبدو أن الحساب يريد تأكيد الرواية القائلة بضرورة تشكيل قيادة جديدة للجيش، حيث عمل على فبركة بيان باسم وزير الدفاع يفيد بذلك، كما أكد الحساب على ذات الرواية في منشور آخر يقول فيه بتجنيد وزير الدفاع لصالح الدعم السريع.
مجهود ضخم وتزوير يستثني الدعم السريع
بالبحث في جميع الخطابات التي صدرت عن الحساب موضع التحقق نجد أنها استهدفت القوات المسلحة السودانية، وحكومة الأمر الواقع والجهات المؤيدة لها، بينما لم نجد خطابًا واحدًا يستهدف الدعم السريع. وبالعودة إلى سياق الأحداث على أرض الوقع نجد أن جميع المستهدفين هي جهات اختلفت أجندتهم العسكرية والسياسية ما بعد الحرب عن الأجندة التي تتبناها قوات الدعم السريع.
تجدر الإشارة إلى المجهود الضخم والكبير الذي يقوده الحساب والشبكة المرتبطة به في النشر وإعادة النشر في إكس تويتر سابقًا، عبر تزوير ونشر الخطابات والوثائق الرسمية كما ذكرنا سابقا والتي تستهدف بصورة أساسية القوات المسلحة وداعميها، وتسعى إلى تعزيز رواية الدعم السريع حول الحرب المندلعة منذ منتصف أبريل\ نيسان الماضي.
تزامن النشر:
بالبحث أكثر عن ارتباط الحساب المعني بحسابات أخرى أو مواقيت نشره، توصلنا إلى أن الحساب يقوم بمشاركة المحتوى على مجموعات عامة يتابعها عدد كبير من الناس.
على سبيل المثال نشر الحساب ثلاثة منشورات في ثلاثة مجموعات في نفس اليوم بمواقيت مختلفة، حيث نشر على مجموعة باسم عبدالله حمدوك بها أكثر من 150 ألف عضو، ومجموعة باسم كلنا لجان المقاومة السودانية بها أكثر من 145 الف عضو، ومجموعة الوثائقية السودانية لثورة ديسمبر 2019 المجيدة وبها أكثر من 217 ألف عضو.
يتضح من كل ذلك؛ أن الحساب المعني يعمل على فبركة البيانات والخطابات ونسبتها إلى مؤسسات شاركت أو مشاركة في الحرب الدائرة اليوم. ويتضح من خلال مواقيت النشر وربطها بالأحداث على أرض الواقع، أن الحساب يعمل ضمن جهة منظمة تسعى للتلاعب بالنقاش العام وذلك ببث معلومات مغلوطة، أو مفبركة ضد القوات المسلحة وحكومة الأمر الواقع وداعميها وتعزز من سردية الدعم السريع.