عالمية

مجازر غزة تعيد إحياء ذكرى محرقة فرنسية أبادت ثلثي سكان مدينة جزائرية

أحيت الجزائر الذكرى 171 لمحرقة الأغواط الشهيرة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق مواطنين عزّل، في أجواء تطغى عليها المجازر في غزة، كما لو أن التاريخ يعيد نفسه دائما بنفس التفاصيل كلما تعلق الأمر بقوة محتلة استيطانية.

وقال وزير المجاهدين وذوي الحقوق الجزائري، العيد ربيقة، في ملتقى خصص لهذه الذكرى، إن مشاهد محرقة الأغواط لسنة 1852 التي أبيد فيها ثلثا سكان المدينة، باتت تتكرر اليوم في غزة وفق ما نشهده من إبادة ومجازر تستهدف النساء والأطفال والتصفية الجسدية للمدنيين الأبرياء.

وتحدث الوزير عن شموخ الجزائريين في تلك الفترة وصمود الفلسطينيين في هذه الأيام، قائلا: “سكان الأغواط في الرابع كانون الأول/ديسمبر 1852 حطموا كبرياء الاستعمار، وقدموا ثمنا غاليا بالتضحية بأرواحهم رافضين الاستسلام للاستعمار الذي لجأ إلى الاستدمار وانتهاج حرب إبادة شاملة”.

وأبرز ربيقة أن سياسة الاستعمار الفرنسي الاستيطاني تضمنت السلب والنهب والتخريب واستعمال أساليب بشعة من الحرق والبطش والتصفية الجسدية والمجازر الرهيبة، مبرزا أن الجرح لا يزال غائرا في الذاكرة رغم مرور قرابة القرنين، فالاستعمار قام بإبادة ثلثي السكان باستخدام مختلف الأسلحة.

وشدد الوزير على أن هذه المشاهد تتكرر اليوم في غزة، من خلال الوجه المخزي للكيان الصهيوني بمناوراته الاستيطانية ومحاولته إبادة الشعب الفلسطيني الصامد لأحقيته في أرضه وإقامة دولته، مؤكدا دعم الجزائر المتواصل ورفض أشكال العنف والإبادة المنتهجة ضد أبناء غزة الجريحة وفق ما سبق للرئيس عبد المجيد تبون التأكيد على ذلك.

ويشير مؤرخون إلى أن فرنسا الاستعمارية خلال محاولتها التوسع نحو الجنوب الجزائري، أرادت من خلال ارتكابها لهذه الإبادة الجماعية أن تكون مدينة الأغواط عبرة للمدن الصحراوية الأخرى التي ترغب في مقاومة القوات الفرنسية.

وأكد المشاركون في المنتدى أن الاستعمار الفرنسي اتخذ من الإبادة الجماعية عقيدة عسكرية ضد السكان العزل، وأكدوا في إحالة على ما يجري في غزة، أن اعتماد هذه العقيدة العسكرية من قبل أي محتل تؤدي إلى ذات الممارسات الاستعمارية الشنيعة.

وقد واجهت هذه العملية العسكرية البشعة حينها ردا شرسا من قبل رجال المقاومة بمدينة الأغواط الذين كبدوا الجيش الفرنسي خسائر فادحة في صفوف العسكريين، وهو ما قابله الفرنسيون بوحشية انتقاما من السكان وأدى لاستشهاد الآلاف.

ووفق ما تذكر مراجع تاريخية، فإن الجيش الفرنسي حاصر الأغواط بنحو 6 آلاف جندي، في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 1852 بينما وقع الاقتحام في 4 كانون الأول/ ديسمبر. وكانت المعاملة الوحشية لسكان المدينة جزءا من تكتيك الأرض المحروقة للجيش الفرنسي، وبهذه المدينة سجلت أولى حالات الاستخدام المسجل للسلاح الكيميائي ضد المدنيين.

وتركت المجزرة صدمة عميقة في سكان المدينة حيث لا تزال إلى اليوم تعرف بـ”عام الخالية” أي سنة إفراغ مدينة الأغواط من سكانها. وتعرف أيضاً باسم سنة أكياس الخيش، في إشارة إلى الطريقة التي وضع بها الرجال والأولاد الباقون على قيد الحياة في أكياس الخيش وألقي بهم في حفر الخنادق.

ومنذ بدء الأحداث في غزة، تكررت الإحالات على التاريخ الجزائري في مواجهة الاستعمار الفرنسي، نظرا لتشابه الطبيعة الإجرامية والاستيطانية الإحلالية للاستعمارين.

وفي هذا المعنى، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مستلهما من تاريخ الثورة الجزائرية في تصريحاته إن “وصف الإرهاب لا ينطبق على الفلسطينيين الذين يقاومون من أجل استعادة أرضهم”، معتبرا أن “عدوان الاحتلال الصهيوني ضد سكان قطاع غزة في فلسطين، هو عبارة عن جرائم حرب مكتملة الأركان”.

وأكد تبون أن الجزائريين لُقبوا هم أيضا بالإرهابيين حينما دافعوا عن أرضهم، مستشهدا بمقولة الشهيد العربي بن مهيدي (أحد أبطال الثورة الجزائرية)، في رده على اتهامات الفرنسيين للمجاهدين بممارسة الإرهاب عن طريق تفجير القنابل الموضوعة في القفف: “أعطونا طائراتكم.. نمنحكم قففنا”.

أما رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل، وهو من مجاهدي ثورة التحرير الجزائرية، فيصرّ في كل تدخلاته على ضرورة وحدة الفصائل الفلسطينية، مؤكدا أن توحيد القيادة الجزائرية في ثورة التحرير تحت لواء جبهة التحرير الوطني كان أهم عوامل نجاح الثورة الجزائرية.

ويؤكد قوجيل في لقاءاته على ضرورة توحد الفصائل الفلسطينية، والتحدث بصوت واحد والالتفاف حول اتفاق المصالحة الذي وقّعته الفصائل الفلسطينية العام الماضي بالجزائر تحت عنوان “لم الشمل الفلسطيني”، مبرزا أن توحيد القيادة الفلسطينية يعد “المنفذ الوحيد والأوحد لتحقيق استقلال فلسطين”.

من جهته، شبه عبد الرزاق مقري، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، بهجمات آب/أوت 1955 خلال الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي، لافتا إلى أن التشابه بين الحدثين “يكمن في أنهما يمثلان نقطة تحول في مسار الثورة من خلال التحام الشعب مع المقاومة”.

وكانت هجمات الشمال القسنطيني التي يحتفى بها كل سنة في الجزائر، ردا على محاولة الجيش الفرنسي تطويق وإخماد الثورة الجزائرية، وتميزت بهجمات مصوبة استهدفت المحتل الفرنسي في منطقة الشمال الشرقي، بشكل أعاد النفس للثورة الجزائرية التي انتصرت 6 سنوات بعد ذلك.

ومن زاوية أخرى، رد الباحث في علم الاجتماع نوري دريس على من يرفض مساندة المقاومة الفلسطينية بسبب أن منطلقاتها إسلامية، بعقد مقارنة مع الثورة الجزائرية.

وقال دريس في تدوينة له إنه “من الخطأ النظر إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين بنفس النظرة التي ننظر بها إلى حركة الإخوان المسلمين في العالم العربي، واعتبارها مجرد امتداد أيديولوجي لهم.

وأبرز الباحث أن حركة حماس تتفوق على باقي الفصائل الفلسطينية في كونها تستخدم العنصر الأكثر قوة لتجنيد الفلسطينيين ضد الاحتلال اليهودي، وهذا هو مصدر انزعاج الاحتلال ولذلك يعمل على تشبييهها بالحركات الإسلاموية المتطرفة.

وأردف يقول: “في تاريخنا كجزائريين، نتذكر جيدا كيف راجع حزب الشعب الجزائري أدبياته الماركسية مع بداية الحرب العالمية الثانية، لصالح خطاب ماركسي مصبوغ بالثقافة الإسلامية العربية”.

واعتبر دريس أنه “لو لم يفعل حزب الشعب ذلك، لما كسب شعبية في أوساط الجزائريين وما استطاع تجنيدهم لحرب التحرير، وربما لكان قد لقي نفس مصير الحزب الشيوعي (رفض الانخراط في الثورة)”. وأضاف أنه في أوقات الحرب ضد الاحتلال، لا ينتصر إلا من تبنى خطابا نابعا من الهوية المحلية ومن الهوية الثقافية والدينية، أي من تمسك بشخصيته بكامل نقائها، وهذا أصلا هو معنى المقاومة، وهذا ما يحاول الاحتلال أصلا محوه من الوجود لأنه يعرف أنه السلاح الأقوى في المعركة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى