الكتاب

عمار العركي يكتب.. قراءة لقراءات د. أماني الطويل للمشهد السوداني

* ما كنت أود أن أقحم قلمى في زحمة الأقلام السودانية التى تناولت ما تكتبه وتقوله الخبيرة د. امانى الطويل ، الدكتورة أماني الطويل مدير البرنامج الأفريقي بمعهد الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية فى قراءتها وتحليلاتها للمشهد السُودان ، حيث هى متهمة من قبل الناقدين والناقمين بتهمتين رئيستين الأولي، أنها تكتب وتقول وفق مصالح مخابرات بلادهها ومطلوبات ذلك.، الإتهام الثانى كونها تعادى وتناوئ جماعة الإخوان فى مصر من منطلق إنتماءها اليسارى العلمانى، وفى تقديرى أن التُهمة الثانية ، تُناقض الأولى وتعارضها ، بإعتبار مواقف الدكتورة المعاكسة لمواقف ورؤية مخابرات بلادها حيال الاسلاميين فى السودان ، اضافة لإنحياز وتماهي د. امانى مع المدنيين وألياتهم واداواتهم خاصة ( قحت) ، معارضتها وانتقادها المستمر للعسكريين وموقفها من تطورات 25 اكتوبر التى.وصفته بالانقلاب ، وللمبادرة المصرية للحل فى السُودان …..الخ، وإن صح الاتهام الأول ، فبشكل عام.ومبدئى لا ارى ضير من تعاون وتوافق المركز والخبير الإستراتيجي الوطنى الذى حاز على سمعة إقليمية ودولية مع مخابرات بلاده ، طالما إلتزم جانب المنهجية والمهنية لان الحيادية المُطلقة لا تستقيم هنا.
* كذلك.من دواعى عدم الإقحام ، ان هنالك مناقشات وحوارات حول كثير من نقاط الخلاف بيننا فيما يخص الشأن الإفريقى عموما ، والسودانى خصوصاَ مع د. أمانى “كمرجعية بحثية وكنز معرفي”، اتفقت معها فى الكثير ، وإختلفت معها في القليل ، والقليل هذا على قلته كان في راي “علة التحليل” لدى الدكتورة أماني ، وهى حالة ” ثبات المبدأ التحليلى والرؤية والإسقاط ، برغم التحولات والمتغيرات المحيطة” ، لذلك آثرت المراقبة والمتابعة بعض الأقلام السودانية وتناولها الجدلي والنقدي ممنياً نفسى الباحثة باجابات من د. امانى تروي ظمأ البحث والاحتياج.
* دكتورة اماني ، لم تعطينا اجابة لما سمته “خلط”، وهى تدرك جيدا بأن فكرة التحول الديمقراطى المدني الذي تؤمن به وتنشده ،لم ولن “يتم آلية الحرية والتغيير وأدواتها”، وهذا قناعة شخصية مكتومة لدي د. امانى.، وصلت بعين.وعقل الخبيرة المتمكنة منذ الأيام الأولى لما بعد الثورة ، وزياراتها الخرطوم وتحاورها ومناقشاتها مع آلية الحرية والتغيير وأدواتها ، ورغم ذلك تمترست د. اماني في الدفاع والتخندق مع هذه الآلية ، برغم تراكم الأخطاء المبدئية. والسيايبة والإستراتيجية للقوى التى نصبت نفسها “عنوة وغصباً” ، أنها القوى والممثل الوحيد للثورة المدنية ، وهى حقيقة وواقع لم تتناوله د. اماني فى قراءتها للمشهد السودانى .
* وعلى النقيض تماما ، عندما إنقسمت قوى الثورة “الآلية وأدواتها” ، انحازت د. اماني لجزء ثورى دون الآخر وباتت تدافع عن مواقفه وممارسته منذ مشاركته المكون العسكرى في السلطة مخلاً إخلالاً صريحاً بمبدأ الثورة والتحول الديمقراطى المدني الخالص .
• درجت د. أمانى بصورة راتبة منذ التغيير السياسي الذي تم في السودان 2019م على تقديم قراءتها للمشهد السوداني بحسب وصفها : ( يجسد المشهد السياسي السوداني حالياً أحد تجليات العلاقات المدنية العسكرية الممتدة في منطقتنا منذ النصف الثاني من القرن العشرين و هي العلاقات التي تتسم بالتركيب و التعقيد ، و تؤثر فيها معطيات متعددة منها ما هو محلي داخلي و منها ما هو دولي) ، حيث نلتمس في التوصيف شئ من الإختلال الوصفي و التشخيصي بتعميق المسطح و تسطح المعمق بإختزال الأزمة السودانية و رد أسبابها و مسبباتها على أنها (صراع سوداني مدني مع سوداني عسكري) ، صراع ظهر على السطح بعد التغيير الذي حدث ثم تصاعد و بلغ حد الإحتراب لقصور و تقصير مشترك بين المكونيين فالإعتقاد المترسخ لدى العسكريين بأنهم الأقدر على الحفاظ على هيبة و سيادة الدولة و حدودها و الأكثر إدراكاً للأبعاد الإستراتيجية من المدنيين، أما الثاني فيرتبط بضعف الأحزاب السياسية و عدم قدرتها على تحمل تبعات العملية الديمقراطية و الحريات ، إضافة إلى الصراعات الحزبية و مآلاتها السالبة على الأوضاع الإجتماعية و الإقتصادية و الأمنية ما يغري بتدخل العسكريين” ، و بالتالي يتحمل المكون المدني ،الجُعل الأكبر بسبب الإختلال المفاهيمي و الفكري و الوظيفب المُستقل التاريخي الموروث لآلياته و أدواته .
* و في توصيف تشخيصي للمشهد الأخير أوردت دكتورة أماني : (في الوقت الذي تنجذب فيه الأنظار و الضمائر الحية نحو غزة في مواجهتها لحالة الإبادة البربرية لسكانها من الفلسطينيين التي تمارسها إسرائيل بمساندة المجتمع الدولي فإن على حدودنا الجنوبية في السودان تطورات من شأنها أن تشكل ضغوطاً إضافية على مصر على الصعيدين الإستراتيجي و الإنساني) ، من جانبنا نقول بأن هنالك تماثل وتطابق فيما يدور في حدود مصر الشرقية مع قطاع غزة حيث تشكلت الضغوط الإستراتيجية و الإنسانية و برزت على السطح كتهديد آني ماثل ، إضافة لذلك فإن الممارسات التي خصتها الدكتورة بتفصيل وصفها و بإسمها في الحالة الغزاوية هى ذاتها في الحالة السودانية الجنوب مصرية ، و التي اجملتها (بالتطورات على حدودنا الجنوبية) ، ولتعديل كفة التناول و السرد حتى لا يتوه القارئ و الباحث بأن ما يدور في فلسطين و غزة ، ذو صلة و إمتداد لما يدور في السودان من إبادات بربرية في دارفور و تهجير سكان الخرطوم الأصليين من السودانيين و إبدالهم بما يسمى مجازاً و لحاجة المخطط (عرب الشتات) التي تمارسها إسرائيل بمساندة المجتمع الدولي ، ولم نجد للدكتورة أماني إشارة لمساندة و دعم “بعض” من “المجتمع العربي الخليجي” المشهود و الواضح ، و لا ندرى هل سقط ذلك سهواً أم عمداً في قراءتها للمشهد السوداني و مقاربته بالمشهد الليبي كنموذج قد يطبق في السودان ؟
* البُعد الإسرائيلى الخليجي العربي، في الأزمة السودانية رغم وضوحه و. شخوصه و تأثيره على المشهد السوداني ، ولكننا كثيراً ما نجده في قراءات و تحليلات الدكتورة للمشهد السودان يبرز بشكل لا يناسب عمق تجذره وحجم أثره و تأثيره ، و بالمقابل نجد أن قراءة المشهد السوداني تذهب إلى تعميق ما هو سطحب ، و تسطيح ما هو عميق ؟؟
• لا يجب عند قراءة المشهد السوداني أو أي مشهد أن نتخذ من مُعطياته السطحية ضئلة نسبة وقوعها وثبوتها ركائز و منطلقات لتشكيل الرؤية و بناء التحليل ، وحتى لا يقع المحلل الفطن و المحايد في فخ سؤ الفهم و التصنيف الذي يتسرب إلى ذهن الباحث و المتلقي العادب ، فالأول لديه الأدوات و الأمكانية التي تجعله يتجاوز فخ سؤ الفهم و الوصول لتقييم مهني و علمي للقراءة المطروحة ، أما الثاني و هو المتلقي و القارئ العادي الذي بأغلبيته يشكل الرأي العام الغالب يقع في فخ سؤ الفهم مُعتمداً على أداواته الطبيعية التي يغلب عليه العاطفة و هو ما واجه الدكتورة في تحليلها و قراءتها للمشهد السوداني ، حينما لجأ بعض الباحثين و المتلقىن السودانىين إلى إعمال أدواتهم التقيمية مهنية أو عاطفية و شملتها الدكتورة أمانب في ردها ( في الفترة الماضية خلطت بعض الأقلام السودانية بين فكرة مدي إنحيازي الشخصي لفكرة التحول الديمقراطي و بين أدوات و آليات تحقيقها في واقع منقسم داخلياً و نظام دولي متحول و حالة إقليمية بائسة).
* هنالك خلط في كون الدكتورة أماني تتخذ المُعطى التحليلي لديها ركيزة في التقييم و الإستخلاص برغم من أدوات أعمالها لتكنيك تعميق المسطح و تسطيح المعمق ، فإسقاط مفهوم الدولة العميقة و جماعة الأخوان و فلول النظام البائد بكل وضوحه و معالمه و أداواته في التجربة و المشهد المصري مما جعله مُعطى عميق واقعي يتقبل نتيجة القراء التحليلية للدكتورة فيما يتعلق بالمشهد المصري ، اما اسقاط ذات المنهج التحليلي على المشهد السوداني لا يستقيم لدى المتابع اللصيق أو الباحث الفطن ، فمفهوم الدولة العميقة و الفلول و النظام البائد سطحي ، لأنه ليس بذات الجلاء و الوضوح و واقعية أدواته مما جعله نتيجة تحليلية و ليس مُعطى واقعي للتحليل أمثله واقعية و عمق الدور الإسرائيلي العربب الخليجي في الأزمة الليبية السودانية و وضوحه بجلاء لكنه لا يظهر بذات الواقعية و الجلاء في قراءات الدكتورة أماني للمشهد السودانب .
* إحدى مقالاتها رداً على الأقلام السودانية الناقدة التي قالت عنها الدكتورة ، إن تلك الاقلام خلطت بين إنحيازها لفكرة التحول الديمقراطي و بين أدواتها و آلياتها حيث قالت دكتورة أماني (الحقيقة تعودت اللا أرد على من يقوم بهذ الخلط لسببين الأول إن ردي لن يفيد في حالة تعمُد الخلط لمصالح ذاتية أو إنحيازات معينة و الثاني أني أدرك أن هذا الخلط ربما لا يأخذ بعين الإعتبار الفرق بين الباحث و السياسي الأول أي الباحث يقوم بتقييم المعطيات الواقعية و يقيس أوزان القوة بين الأطراف المتصارعة و يحاول إستشراف المستقبل و هي مهمة أقوم فيها بمهمة غالباً لها طابع تحذيري لكل ذي عينين بشأن فرص التحول الديمقراطي و شروطه أو فرص وقف الحرب و آلياتها) ، الشاهد في الأمر أن القارئ لقراءة الدكتورة أماني لا يلتمس هذا الحذر و التحوط الذي أوضحته عالياً بخصوص تكييف و تأطير المُعطى الواقعي عند الدكتورة أماني الأخذ به كنتيجة منطقية للتحليل (فجماعة الحرية و التغيير عند الدكتورة هم الآلية الوحيدة المدنية المتاحة لتحقيق فكرة المدنية و التحول الديمقراطي ، و الحرب في السودان أشعلها المكون العسكري بسبب و تدبير فلول النظام البائد ، وإيقافها ضرورة حتمية للمساعدة في تحقيق ذاك التحول).
* وتوالي الدكتورة أماني قراءة المشهد السوداتي بذات العلة التحليلية فتقول (التطورات السودانية في هذه لمرحلة على ثلاثة مسارات : المسار العسكري و هو أخطرها ، و مسار محاولة وقف الحرب في جدة أما المسار الثالث فهو مسار المدنيين الصاعدين على جبل متعرج صعب التضاريس بهدف الحفاظ على دولة السودان كدولة موحدة مدنية ديمقراطية ترنو نحو الحداثة) ، في حين أن المشهد السوداني الواقعي منذ 15 أبريل على مسارين فقط ( مسار الحرب ، مسار السلام) و ما بينهم ليس مسارات بقدر ما هي علامات إتجاهات مرورية موضوعة وضعاً ، فجدة ليس مسار بقدر ما هو (طريق اتجاه واحد) ، أما مسار المدنيين الصاعدين بعد سقوط و إخفاق ذاتب بنسبة كبيرة جداً ما هم إلا (موقف خاص) و الفكرة المدنية لديهم ملكية خاصة ممنوع الإقتراب .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى