عالمية

مثلث الموت.. تمدد جيوش الإرهاب في الساحل الإفريقي

كالنار في الهشيم، يتفشى سرطان ينخر دول الساحل الإفريقي. إرهابيون يعيثون فسادا في منطقة باتت مسرح صراع مشتعلة للقوى العالمية، مناوشات على شكل حروب عرقية وطائفية ودينية، تفرز أزمات يُعاد تدويرها وتصديرها إلى الساحة الدولية.

فمن يصارع من في دول الساحل؟ وعلام يتصارعون؟

وكيف تبدو خارطة الواقع الجديد الذي ترسمه تنظيمات متشددة وحكومات ومتمردون يتنافسون على النفوذ في محاولة لبناء تحالفات تخدم مصالحهم وأهدافهم؟

سجلت منطقة الساحل وحدَها أكبر عدد من ضحايا الإرهاب في العالم في 2022.

ففي هذه المنطقة، وقع أكثر من 40% من ضحايا الإرهاب و12 من أصل 20 هجوما إرهابيا.

هذا الواقع جعل بلدان الساحل تعيش حالة عدم استقرار مستمرة وأزمات متشعبة جعلت المنطقة فريسة للانقلابات والإرهاب، ناهيك عن تصارع القوى العالمية على ثرواتها.

ويتمثل التحدي الأكبر هنا بالجماعات الإرهابية، التي أصبحت سيدة المشهد بحيث يبدو العالم عاجزاً أمام سطوتها وتمددها. فمن يصارع من؟

2000% هي نسبة ارتفاع عدد ضحايا الإرهاب في منطقة الساحل بين 2007 و2022، وفق مؤشر الإرهاب لعام 2023.

ووفق بيانات مراكز الأبحاث المتوفرة، أدى سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا إلى فتح مجال لدخول أسلحة بكميات غير محدودة لمنطقة الساحل والصحراء، على يد تجار السلاح، وعبر مجموعات مسلحة متعددة، مما مكّن التنظيمات الإرهابية من الاستحواذ على كميات غير محدودة من العتاد العسكري في سوق مفتوحة.

لم يرُق للحكومة المالية عجز فرنسا والغرب بشكل عام عن تحقيق الاستقرار الذي توقعته لاستعادة السيطرة على أراضيها.

سيطرة كانت تنتظرها دون أن تدفع ثمنها اتفاق سلام مع الأزواديين، السلام الذي كان حجر الزاوية وشرط استقرارها.

توالت الانقلابات في مالي، فلم تتمكن من النهوض من كبواتها السياسية المتلاحقة، ولم تفض العمليات السياسية التي قوضتها الانقلابات إلى أي استقرار.

رحلت فرنسا، وكذلك بعثة الأمم المتحدة عن مالي، فيما استدعت باماكو حليفا جديدا، كان يحرضها في صمت على طرد الفرنسيين والتخلص من إرثهم، وما هي إلا برهة حتى ظهرت أعلام روسيا ومليشيات فاغنر وسط زغاريد نساء باماكو وصيحات الشباب.

لكن الحفلة لم تدم طويلا، فقد كانت الجماعات الإرهابية لها بالمرصاد.

واتهم الأزواديون باماكو بالانصراف عن اتفاق السلام الذي أصبح حبرا على ورق، بعد جلب مالي لفاغنر، وتوقيعها لاتفاقية حماية وتسليح واستغلال مناجم التعدين

وما هي إلا أيام حتى عادت هذه الجماعات لوضعها السابق متقدمة مجددا نحو باماكو وكل الأراضي المنيعة التي حال الجيش الفرنسي ومجموعة “Takuba” الأوروبية، وبعثة الأمم المتحدة “مينوسما” دون سقوطها في العقد الماضي،ليعاد تشكيل مشهد جديد انتهى بتأسيس الإرهاب مملكة جديدة في مالي وبوركينا فاسو تساوى مساحة فرنسا بأكملها كما قدرتها صحيفة لوموند الفرنسية.

المشهد تشكل والإرهاب يطوق مالي من كل مكان، في سيناريو رسمته مجلة ليسكسبريس الفرنسية بأنه سينتهي بإعلان القاعدة في الساحل دولة إسلامية في مالي بحلول نهاية نوفمبر 2024.

لكن ماذا يحدث على الأرض الآن؟

يحاول الجيش المالي، مدعوما بفاغنر والموك استعادة الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المتطرفة أي القاعدة في الساحل وداعش والأزواديين على حد سواء، وهي أطراف متناحرة في ما بينها.

فرد الأزواديون بإعلان جيش وطني مهمته الدفاع عن أراضيهم.

فاجأ الأزواديون خصومهم منذ دخولهم في مواجهات مسلحة مع الجيش المالي أغسطس الماضي، باستخدام أسلحة غير متوقعة، بعد مهاجمتهم لقاعدتين استراتيجيتين للجيش المالي، وبعد تصدي دفاعاتهم الجوية التي تظهر لأول مرة للطيران المالي، وإسقاطم لأربع طائرات، مما أطلق أسئلة حول حقيقة القدرات العسكرية لجماعة معزولة في الصحراء، وعن مصادر تسليحهم وعُدتهم وعددهم.

فاجأ الأزواديون خصومهم منذ دخولهم في مواجهات مسلحة مع الجيش المالي أغسطس الماضي، باستخدام أسلحة غير متوقعة، بعد مهاجمتهم لقاعدتين استراتيجيتين للجيش المالي، وبعد تصدي دفاعاتهم الجوية التي تظهر لأول مرة للطيران المالي، وإسقاطم لأربع طائرات، ما أطلق أسئلة حول حقيقة القدرات العسكرية لجماعة معزولة في الصحراء، وعن مصادر تسليحهم وعدتهم وعددهم.

استمرار تقدم الجيش المالي وفاغنر في العمق الأزوادي قد يطلق حربا شاملة بين كل هذه الأطراف، وهو أكثر ما يخشاه العالم.

وداعش سيكون أكبر مستفيد من حرب تنطلق من تمبكتو نحو بقية الشمال في أزواد، لأنه يركز نشاطه في الشرق والجنوب بعيدا عن المواجهات في الشمال ليتمدد أكثر فأكثر.

أمام هذا الواقع وعلى خلفية الانقلابات وخشية التدخل الأجنبي في الساحل وتكرار سيناريو 2013، دخلت الدول الثلاث، مالي والنيجر وبوركينا فاسو، دخلت في تحالف جديد باسم تحالف الساحل، متخلية عن التحالف السابق G5 الذي يحمل الاسم نفسه وكان مدعوما من فرنسا والغرب وكان يضم إضافة إليها موريتانيا وتشاد في ميول واضح نحو روسيا وتخل تام عن التبعية الغربية المتمثلة في فرنسا.

سقوط هذه البلدان في يد الإرهاب يعني وضع يد التنظيمات المتشددة على منطقة غنية بالثروات من نفط ومعادن ثمينة الخيار الأمثل والأسهل للتنظيمات الإرهابية التي اقتاتت على نهب ثروات الدول من أفغانستان وباكستان إلى سوريا والعراق.

وجعلت المشاكل السياسية والاقتصادية والقبلية من هذه الدول وجهة مثالية للتنظيمات الإرهابية الداخلية والخارجية الباحثة عن تمويل من دون مقاومة تُذكر.

عدم القدرة على التصدي للإرهاب في الساحل يترك العالم أمام منطقة مهددة بالانفجار في أي لحظة مع جماعات إرهابية تقدم نفسها كبديل عن الدول في إطار بروباغندا تحاول تبييض الوجه الدموي لها.

فهل تنجح حكوماتها والعالم في وضع الخلافات والاختلافات جانبا للخروج بمقاربة شاملة، لا تقتصر على الجانب الأمني بل تطال البعد التنموي والفكري أيضا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى