الكتاب

عادل عسوم يكتب.. توقيع في سجل اليوم الوطني للمملكة

غالب دول العالم تؤسس يومها الوطني على اليوم الذي استقلت فيه، أما التي لم يطالها الاحتلال -ومن الخطأ تسميته استعمارا لكون الاستعمار من العمران- فتؤسسه على غير ذلك، ومن الأمثلة على ذلك دولة اليابان التي تؤسس يومها الوطني على يوم عيد ميلاد امبراطورها تقديسا للامبراطور باعتاره الراعي للدولة، وكذلك مملكة تايلند التي جعلت يومها الوطني موافقا لعيد ميلاد الملك بوميبول أدولياديج الذي حكم لمدة 70 عاماً من عام 1946 حتى وفاته عام 2016، باعتبار فترة حكمه حوّلت تايلاند من دولة متخلّفة وضعيفة، إلى دولة مختلفة تماما.
المملكة العربية السعودية كانت أرضا مجزأة إلى ممالك ومناطق لاوصل بينها، وبالتالي ماكان الحرمين الشريفين يجدان الاهتمام الكافي، دعك عن توسعة وعمران لم يطالاه -إلا نذرا- طوال قرن كامل قبل توحيد أرض المملكة على يد بانيها الأول الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله وطيب ثراه.
لقد قدر لي الله أن اقدم إلى مكة المكرمة للدراسة في جامعة أم القرى في بداية الثمانينات من القرن الماضي الميلادي، وحينها كان الحرم المكي يضمد جراحه لتوه من حادثة جهيمان المشؤومة، فما كان من الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله وطيب ثراه -والذي ظل يردد (لماذا الحرم؟)- إلا أن شرع ومن بعده خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله وطيب ثراه في الاشراف بأنفسهم على مشاريع ضخمة لتوسعة الحرمين وصلا لما بدأه الملك الوالد ومن بعده الملك سعود رحمهما الله وطيب ثراهما، وبلغت تلك المشاريع ذراها في عهد سلمان الخير لتصل إلى كل المشاعر لتلبس ثوبها القشيب الحالي كالعرائس، وعاش الناس ليشهدوا أكبر توسعة للمسجد الحرام منذ أربعة عشر قرناً.
وقد تم وضع حجر الأساس لكل ذلك خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله وطيب ثراه في الثاني من صفر 1409هـ الموافق 13 سبتمبر 1988م، وكنت حينها قد تخرجت في جامعة أم القرى وشرعت في العمل في هذه الديار المباركة.
شملت هذه التوسعة العظيمة إضافة لجانب جديد إلى المسجد الحرام من الناحية الغربية، وتمت الاستفادة من السطح العلوي للمسجد والذي وصلت مساحته إلى 61 ألف متر مربع لاستعاب عدد اكبر من المصلين والمعتكفين يصل إلى المليون ونصف المليون، وزيد من عدد المآذن، وانشئت مصاعد كهربائية للصعود إلى الأدوار العليا، وقد اكرمني الله بأن عايشت كل ذلك يوما بيوم طوال فترة اقامتي في هذه الديار المباركة والتي تواصلت بحمد الله إلى يومي هذا لأكثر من أربعة عقود.
والحديث عن محامد المملكة ارتهانا بيومها الوطني لايسعها مقال واحد، لذلك قصرت حديثي على جانب واحد من المحامد التي عايشتها جسدا ومشاعرا لأكثر من ثلثي عمري، ولن يستطيع أحد أن يزاود أو ينتقص من الكمال الذي وصلت إليه مباني وحال الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة إلا كائد وصاحب غرض في عينه رمد، ولم أزل أعيش هنا متفيئا ظلال وحدة لم أجد لها مثيلا في كل أرجاء الأرض، كم تجد للهجة أهل الحجاز صداها المحبب في أنفس أهل الشرقية، وما أجمل احتفاء أهل جدة ومكة والطائف بلهجة أهل الرياض والقصيم، وهنا يجدر بي إرسال رسالة اعجاب وتثمين إلى الصديقين ناصر القصبي وعبدالله السدحان في ثنايا (طاش ماطاش)، ولعلي أقول بأن الشعوب ان احتفت بطروحات ثقافية ارتقت لتصبح موائل احتفاء عالمي فإن طاش ماطاش بما تم تقديمه فيه من طروحات يوازيها ويزيد، وقد قدر لي مجال عملي بالسفر إلى عشرات الدول في كل قارات العالم حيث رأيت شعوبها وتبينت عوالمها ومعالمها وتلمست الكثير من ملامح وجدان شعوبها، وإذا بالمقارنة ترجح بكفة أهل هذه المملكة الأخيار ٱيجابا.
ومعلوم أن الشعوب والدول يرتهن نماءها وتطورها بسمت وحكمة قياداتها، وان في قول الخليفة الراشد عثمان ومن بعده عمر عمر رضي الله عنهما بأن الله ليزع بالسلطان مالايزع بالقرآن اسوة وقرينة، فكم من قادة ارتقوا بشعوبهم، وهاهم شباب هذه المملكة ابناء وبنات يستشرفون ذرى من المجد والفوت بين الشعوب وقد وهبهم الله ولي عهد ورئيس لمجلس الوزراء مثقف وحريص -كل الحرص- على كل ما يهم الشباب ويسهم في ارتقائهم لسلم المجد والرفعة بين الشعوب.
اختم بالقول بأن قائدا لأمة وشعب ابتدر كل هذا الفيض من الخير لشعبه وللأمة الاسلامية قاطبة كالملك عبدالعزيز آل سعود لكان أولى أن يكون عيد ميلاده النبيل يوما وطنيا لهذه الديار بأكثر من سواه، لكنني أيقن بأنه طيب الله ثراه إن كان عرض عليه الأمر لرفضه بإباء لكون الاحتفال بعيد الميلاد لايتفق مع الدين القويم الذي وحد على هداه هذه الأرض المباركة من أقصاها إلى أقصاها.
التحية لشعب المملكة العربية السعودية المضياف في يوم عيده الوطني، وأسأل الله في عليائه ان تضطرد دعوة أبينا ابراهيم عليه السلام بأن:
{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} ابراهيم 37.
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى