في بريد سهير عبدالرحيم : العميان الثلاثة و الشحات
كانت قريةٌ بها ثلاث رجالٍ مصابون بالعمى ويقودهم فتىً ذو نظراتٍ غاضبة ، والعميان الثلاثة يؤمنون بأن الصبي هو زعيمهم القائد ، ويحملون له مشاعر الامتنان والتبجيل ، برغم أنه معتادٌ على إهانتهم والسخرية منهم وتوبيخهم بشكلٍ مستمر ليُشعرهم بقوته وسطوته .. تأكيداً لذاته الدنيئــة أمام ذُلِّهم وانكسارهم ، فهذا شأن الصعاليك والسَّفلة عندما يصبحون وبمحض الصدفة قادةً ومسؤوليــن ، وبعد انتهاء رحلة التسوُّل اليومية .. يقودُهم الفتى الشرس إلى حيث يُقيمون ، فيجلسون في إحدى زوايا المكان كأطفالٍ هادئيــن ، يُنصتــون لرنين الدراهم المعدنية في يد القائد وهو يراكمها في جيبه ، إنهم يعرفون بأنه يسرقهم ، ولكنهم لا يجرُؤون على الاعتراض ، وكلما تعمَّد تجويعهم .. كلما ازداد رضوخهم له ، وحالما يُلقي الفتى إليهم بأواني الطعام ، يلتهمونه بشراهةٍ وهم يرددون كلمات الشكر والعرفان لقائدهم العطوف … إن العمى يُولِّد الانقيــاد ، والخضوع يمنحهم شعوراً زائفاً بالراحة والسكينة والأمان ولذَّةً في الخنوع.
👀البصيرة هي إمعانٌ في الفِكر بنظرٍ نافذ ، وعقلٍ ثاقب ، وذهنٍ مُتَّقد ، وإدراكٍ دقيق ، وفطنةٍ تامة ، ووعيٍ عميق ، وعمى القلوب أشد وطأةً من عمى الأبصار ، فهو تنكيسٌ في الخلقِ والفِطرة ، ومسخٌ تنطمُس به سائر الحواس .. يصبح بعده الإنسان في منزلةٍ أضلّ من الأنعام ، ولا عجب بعدها أن يرى المُنكر معروفاً والمعرُوفُ منكراً.
👀الإنسان إذا أقعده مرضٌ أفقده القُدرة على الكلام واضطره أن يحبو فإنه لا يصير قرداً أو خنزيراً ، فالإنسان بأصغريه .. قلبه ولسانه .. وعبارة (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) في الآية الكريمة
(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)
تشي بشئٍ من ذلك ، وكم من القِرَدة والخنازير وعبد الطاغوت يعيشون في مجتمعاتنا اليوم وهم شرٌّ مكاناً وضلالاً عن سواء السبيل ، ويحسَبون أنهم مهتدون لدرجةٍ يخشون فيها من أمثال موسى عليه السلام أن يُظهِروا في الأرض الفساد!!!
(وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ۚ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)