الآلات الموسيقية في السودان.. تنوع وتناغم
وإن دوّي هزيم الطار بين أكف مداح
وسالت نغمة الشادي على رسل وإسماح
وفاض الدمع من مقل تنام وشوقها صاح
ترنح خطوة طرباً كمصبوح من الراح
هكذا صور الشاعر محمد محمد علي في قصيدة “مولد شاعر” تفاعل الشعب السوداني مع إيقاع الموسيقى، فالسودان قارة راقصة تتنوع فيها الآلات الموسيقية بتنوع القبائل والمكان.
وقد يعجب المستمع كيف تتمازج هذه الألحان لتجتمع في بلد واحد في تناغم فريد.
تقول د.سهام عبد الباقي الباحثة في الأنثروبولوجيا الثقافية إن الموسيقى السودانية تقوم من الناحية العلمية على السلم الخماسي، وهو السلم الموسيقي الذي تنتمي إليه موسيقى الهند، الصين، إسكتلندا، بورتوريكو، موريتانيا، جنوب المغرب ،إثيوبيا، أريتريا، والصومال.
وتنتشر الآلات الموسيقية في السودان حسب البيئة الجغرافية وطبيعة المنطقة وثقافتها، ويشتهر شمال السودان بوجود فن الطمبور، وآلة الطمبور الشعبية من أشهر الآلات الموسيقية في السودان، وهي آلة وترية مصنوعة من مواد محلية وتعبر عن وجدان الشعب السوداني، وفي واقع الأمر موجودة فى كل أرجاء السودان، ولكن بأشكال وأحجام ومسميات وخامات ودوزنة مختلفة، فيطلق عليها”الباسنكوب”في شرق السودان و”الربابة” في غرب السودان و”توم” في جنوب السودان. وأول من إستخدمها النوبيون، كما تنتشر الإيقاعات المركبة والغناء والرقص الجماعي.
وتسود في شرق السودان أنواع غنائية متعددة أكثرها إنتشاراً غناء “الدرفولي” لدى قبائل البجا، كما تنتشر أغاني الدوبيت،”أربعة أبيات شعرية باللغة العامية المحلية”، والمناحة (الرثاء).
تختلف أسماء هذه الآلات الموسيقية في السودان باختلاف المجموعات العرقية التي تستخدمها، وأضافت دكتورة سلوى عبدالمجيد إن للمكتبة السودانية العديد من البحوث في هذا الصدد، وكتبت عن الكثير من الآلات الموسيقية الشعبية كآلة القيثارة أو الكيثارة، وهي آلة وترية أصبحت رمزاً للموسيقى، وهذه الآلة لها مسميات وأحجام وأشكال مختلفة في البلدان التي توجد فيها، فتسمى كسر (بكسر الكاف والسين)عند النوبيين في الشمال، وجنقر عند الأنقسنا، وابنقرنق بجنوب النيل الأزرق، والطمبور في مناطق قبائل الشايقية والمناصير والرباطاب، وباسكنوب عند الهدندوة في الشرق، وله زينة عبارة عن كنتلة من الصوف الأسود تتدلى من طرفه وتسمى ريشة.
أيضا من الوتريات آلة “الهارب” ذات العنق المقوس و”أم كيكي”.
يعد الطمبورآلة موسيقية لها صندوق مصوت أو رنان، يتخذ شكلين أساسيين مستدير ومستطيل، ولها إطار خشبي يتكون من ذراعين مسندين على عارضة الأوتار تشد على حافة الصندوق المصوت موازية للجلد الذي يكسى به، ويتم ضبطها بلفلفات من القماش على العارضة، وتتخذ أسماء وأحجام مختلفة داخل السودان، ينتج عن ذلك إختلاف في سمك الأوتار وطريقة وضع الأصابع وثقل وحدة الأصوات الموسيقية التي تصدرعنها.
وقد ذكرت أسماء أجزاء الطمبور ذات الخمسة أوتار في عدة مراجع، فسمى الصندوق المصوت:القدح، الكج:كبري تشد عليه الأوتار والداقن: لتثبيته، والمرق: قاعدة مثلث الأوتار، والسلك: لشد الأوتار، الوحيد: الوتر الأول، الوتر الثاني: أغلظ وتر، الحنين:الوتر الرابع من أسفل لأعلى المجاوب:الوتر الخامس، السندالة هي السنادة لتثبيت يد العازف لتمكينه من ، والضراب أو الضرابة هي الريشة التي يعزف بها، والجرتق هي الزينة على الطمبور لكنها ليست أساسية.
لم يكن صنع الطمبور حرفة، فيصنعه العازف نفسه أو غيره وإن بدأ الآن كصنعة إحترافية.
ويطلق على الطمبور أحيانا الربابة، والربابة مختلفة في الشكل وأصغر من الطمبور في الحجم، ووترها واحد ويعزف على الأوتار بقوس مثل الربابة العربية والربابة الصعيدية في مصر.
أما الربابة السودانية فتسمى (أم كيكي)التي يحملها الشاعر المتجول(الهداي) في مناطق كردفان ودارفور بغرب السودان، لها وتر واحد وتعرف بقوس وليس لها ريشة أو ضراب كما في الطنبور.
وقد أطلق الباحث السوداني الطيب محمد الطيب إسم”ربابة” أيضا على الطمبور في مجلة الخرطوم التي تصدر عن المجلس القومي للآداب والفنون، وزعم:” أن الإنسان أخذها من الجن، وأسند إلى الذهن الشعبي روايته، قائلاً “إن جماعة من الجن كانوا رعاة فأخذوها من بني الإنسان وظل الجن يلاحقونهم حيثما حلوا وخاصة إذا كان العازف راعياً،أ خذوا منه البهم (الحيوانات التي يرعاها)، ويعتقد أن الأنغام الشجية غير المعروفة أصلاً مستلفة من الجن ومنسوبة إليهم”.
كما ذكرت ربابة قبيلة الحمران بكردفان بغرب السودان، في سلسلة دراسات في التراث السوداني وأن هنالك:” لحن ألفه الشيخ ود علي الهاكين زعيمهم حرمت على القبائل الأخرى عزفه”، كما هو الحال في ضربات النحاس والنقارات القبلية.
تعتبر السمسمية أو الطمبورآلة مستخدمة في مدن شمال شرق مصر وجنوب جزيرة العرب، تختلف في الشكل فهي أكبر حجماً وتعزف بريشة، وتشبه آلة الطمبور التي ذكرها الرحالة بوركهات في بلاد النوبة وصورها في واجهة كتابه الطبعة الثانية ٢٠١٦.
ونقل معاوية حسن ياسين عن تاريخ الموسيقى في النوبة والسودان من القدم حتى ١٩٤٠ في موقع الطمبور عن الموسيقار السوداني جمعة جابر، قوله ( إنه ربما دخل من أرض الحضارة البابلية ومرّ بآسيا ودول الخليج ومنها وجد طريقه لأريتريا ثم إثيوبيا ثم السودانَ).
وقالت مصادر أخرى أنه نوبي الأصل والمنشأ دخل مصر عن طريق حكام وملوك نوبيين.
وعندما زار جون لويس بوركهات بلاد النوبة في ١٨١٩ كتب أنها الآلة الوحيدة التي رآها في بلاد النوبة.
ويرجح نزار سالم أنه انتقل من بلاد النوبة إلى سواحل البحر الأحمر و قدم شواهد على ذلك.
وغناء الطمبور هو النوع الذي ساد في العاصمة بعد أغاني الحقيبة التي عرفت في العام عام 1918 إلى أواسط الأربعينات نسبة للحقيبة التي كان يحملها الاعلامي المرحوم أحمد محمد صالح، وبداخلها الأسطوانات التي كانت تحوي هذه الأغنيات ليعمل على تقديمها عبر الإذاعة السودانية (هنا امدرمان).
أما د. علي الضو أستاذ الموسيقى التقليدية بمعهد الدراسات الإفريقية والآسيوية بجامعة ، فقال إن أرتون سيمون عند حديثه عن الكِسِر وعلاقته بالكيثارة الإسم الذي يطلق على اللير الإغريقي القديم، يعتقد أنها وصلت النوبيين من مصر لأنهم المعبر الذي تتدفق منه الثقافات الشرقية القديمة والبضائع للشعوب الأفريقية، فهي لاتستخدم عند شعوب شرق أفريقيا في السودان وإثيوبيا والصومال ويوغندا وكينيا، بل نجدها عند النوبيين المصريين في منطقة قناة السويس وشواطيء البحر الأحمر.
وأطلق د. علي الضو اسم ربابة على كلمة (أبنقرنق) عند قبيلة البرتا بمنطقة النيل الأزرق، وصندوقها المصوت مربع وتوجد ربابة للطمبرة (إحداث صوت) (منها نوع كبير الحجم مصنوع من خشب الأندراب يستخدم بمساعدة ثلاثة طبول مستطيلة الشكل ذات أحجام مختلفة في إقامة حفلات الزار،(الزار هو من طقوس استحضار الجن وله موسيقى وأغاني خاصة به)، وتعد هذه الآلات ملك لشيخة الزار ويعزف عليها رجل يسمى (سنجة) وهي مزينة ببعض التمائم والخيوط الحمراء، والطبول يعزف عليها ثلاثة رجال آخرين وتقوم النساء بالغناء.
ويعد الفنان الراحل أبو عبيدة حسن أول من أدخل الكهرباء لآلة الطمبور لتعمل مثل الجيتار، كما أضاف وتراً سادساً في خطوة وصفته بالعبقري الموسيقي.
وقد أظهر الباحثون في العالم حباً كبيراً للموسيقى والإيقاعات السودانية جعلت الفنان الجامايكي جيمي كليف يزور السودان نهاية السبعينات، ويتردد على ضريح الشيخ حمد النيل بأمبده ويعجب ب(النوبة) بفتح النون وهي آلة موسيقية ترتبط بالترانيم الدينية.
وقد أخذ معه إيقاعها وترجمه لأغنية فيما بعد، هكذا تميز الشعب السوداني متفرداً بألحانه وآلاته وموسيقاه حتى صار وطناً تدمع أعين مواطنيه تأثراً حين سماعهم أغنية تعبر عن تراثهم.