الكتاب
عادل عسوم.. السودان الذي تريده الدكتورة أماني الطويل
خلال مداخلة هاتفية ببرنامج (حديث القاهرة) مع الإعلامي المصري إبراهيم عيسى، وعلى قناة القاهرة والناس، قالت الدكتورة أماني الطويل، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبيرة فى الشئون الأفريقية، بأن إعلان الفريق البرهان انسحاب الجيش من المشهد ليس سوى مناورة، واضافت قائلة “المعارضة مش عاملة تحالف ولا عندها مكون اقتصادي اجتماعي ولو عملت حكومة لن تكون قادرة على تحسين الوضع الاقتصادي لان المكون العسكري قابض على كل الأمور، وممكن ينفتح الأمر على انتخابات ويعود الإسلاميين إلى الحكم وبالتالي سنواجه النظام القديم وهذه أكبر خسارة للإقليم مصر والسعودية وغيرها”.
الذي يهمني من قول المستشارة هو ختام حديثها لرفيقها، ياترى ما هي الخسارة الكبيرة التي تراها الدكتورة أماني (إن قدر للانتخابات ان تنعقد في السودان ويفوز من تخشاه ليحكم)؟!
ولايهم كثيرا سؤالها إن كانت تؤمن بالانتخابات أم لا، ولايهم أيضاً سؤالها عن تصريح لها آخر تعتبر فيه السلطة الحالية في السودان سلطة انقلابية وكأن ديمقراطية ويستمنستر تنفح بالشذى من حولها في قاهرة المعز!.
في ابريل من عام 2018 وخلال حوار أجراه مذيع برنامج هذا المساء في قناة بي بي سي العربية مع كل من الدكتور صلاح البندر المحاضر في كامبريج والدكتورة أماني الطويل، أوضحت الدكتورة أماني الطويل بأن مصر سوف تقوم بتوجيه ضربة عسكرية لإيقاف تأهيل ميناء سواكن لأن السودان لم يستشر مصر في تأهيل هذا الميناء، إذ أن تأهيل سواكن سوف يتعارض مع مصالح مصر ويتسبب في نقص واردات قناة السويس؟!
هذا ماقالته ال(مستشارة)!
من يقرأ أو يستمع الدكتورة أماني الطويل يجد جماع تحليلاتها وكل أقوالها عن السودان يتمحور حول مناصرة (رفاقها) في المجلس المركزي للحرية والتغيير ومن خلفه الحزب الشيوعي السوداني، وهؤلاء قد حكموا منذ عام 2019، ولم تزل ذيول حكمهم باقية إلى يومنا هذا حيث ينتصف القضاء السوداني كل يوم ويرد المظالم عن العديد من الذين طالتهم ظلامات قحت واليسار على عمومه، ولكي لا أكون متجنيا عليها أورد هذا المقتطف من احد مقالاتها كتبته قبل أيام قلائل:
(علي المستوى السياسي هناك إعادة تموضع في القوى المدنية قد يقود إلى متغيرات جوهرية في أوزان القوي بين المكونين المدني والعسكري لصالح الأول في حال تحوله إلى موقف عام للجان المقاومة خلال الفترة المقبلة ذلك أن عددا من لجان المقاومة الشبابية تقترب من عشرة في ولاية الخرطوم قد أعلنت عن موقف جديد لها وهو قبول التنسيق مع القوي السياسية والنقابية الديمقراطية، وهو تطور طالما نادينا به طوال الفترة الماضية، من شأنه أن ينهي خصومة سياسية كان لها تجليات في الشارع بين لجان المقاومة والقوي الشبابية، تأسست على قبول السياسيين في مرحلة ما شراكة مع المكون العسكري).
أنتهت الجزئية المقتطفة.
لاحظوا عبارة (وهو تطور طالما نادينا به طوال الفترة الماضية)!
وفي ذات المقال تحدثت المستشارة عن الحزب الشيوعي السوداني مثمنة لخطوة تراها مفيدة وداعمة لعودة من ترغب لحكم السودان، وبالطبع فإنها تعلم مرجعية واجهة لجان المقاومة، وهي اذ تفعل ذلك (منادة وتواصلا) تعلم يقينا فشل المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير ومن خلفه الحزب الشيوعي في حكم السودان، ولم يكن الأمر أمر تغول لعسكر أو لجم لسلطات تنفيذية، فقد شهد كل أهل السودان وعاشوا مغبة القرارات غير المدروسة التي صدرت من حكومتي حمدوك مما كان له الأثر الواضح في التدهور الاقتصادي والمعيشي والصحي، وما آل إليه التعليم الجامعي بالأخص في السودان، يضاف إلى ذلك ما ورد في العديد من الصحف السودانية من أخبار -ينبغي أن تقلق وتؤلم أي سوداني حريص على هذا الوطن- تحكي عن ضياع لملفات سيادية مهمة جدا، ملفات خاصة بوزارة الري والزراعة، وكذلك أصول في دار الوثائق السودانية، وبالطبع كل ذلك لم يكن يحدث من قبل خلال العهد الذي تخشى الدكتورة أماني عودته للحكم (ان قدر للانتخابات ان تقوم في السودان) كما تقول.
وأختنا الكريمة تعلم أيضا -يقينا- بأن السودان خلال فترة الحكم التي لاتريد عودتها قد كان قبلة لأهلنا المصريين، حيث كانت العديد من المناشط والقطاعات السودانية عامرة بالعمالة المصرية ومنها قطاع البناء بكامله.
ولكن منذ أن سرق ال(رفاق) في السودان الثورة، وهم الذين تناصرهم المستشارة؛ انقلب الحال تماما، فقد تسبب فشل حكم قحت في حدوث تضخم عجيب رفع سعر الدولار إلى مئات الاضعاف!، وتسبب ذلك في اخراج اكثر من ثلثي الشعب السوداني عن مظلة القدرة على التعاطي والتعايش مع الكلفة العالية الجديدة للحياة في كل مناحيها بغير الحال الذي كانت عليه، ثم آلت جامعات السودان العديدة إلى حال لاتسر، وان كان يحمد لمصر الحكومة التعامل مع السوداني بذات النسق الذي تعامل به المواطن المصري؛ إلا إن وجدان كل شعب تبقى الأمنيات فيه مركوزة بأن يبقى في وطن تكون فيه مؤسساته ومرافق حراكه الحياتي سليمة معافاة.
الدكتورة أماني تريد بل وتسعى لعودة قحت الفاشلة ليظل السودان على حاله، ولتعين قحت وزيرة خارجية تدعو مصر ل(استعمار) أراضي السودان التي تراها (واسعة وكتيرة على أهل السودان)!، ولتترى مانراه اليوم من تكالب من الشركات المصرية للهيمنة على السوق السوداني توقيعا على شراكات مع افراد وشركات سودانية، تجعل من كل الوكالات الحصرية العالمية Exclusive agency agreements عابرة من مصر ورسن مقودها هناك، وللعلم فقد رفض نظام الحكم السابق الذي لاتريد الدكتورة عودته تلك الاتفاقيات بالرغم من الحظر الأمريكي والعالمي على السودان، ومعلوم في فقه وعوالم السوق العالمي أن أيما اتفاق تجاري يوقع خلال فترة ضعف سياسي واقتصادي لدولة ما؛ يكون في صالح الدولة الأقوى!
ومن الأسباب التي تجعل الدكتورة أماني الطويل لاترغب في عودة حكم الاسلاميين في السودان، أن تظل المواد الخام السودانية، والتي تدير عجلة الانتاج لمئات بل عشرات الآلاف من المصانع المصرية، وللأسف هذه المواد الخام يباع بعضها بالعملة المحلية السودانية استغلالا لحوجة بعض السودانيين، فلاينوبهم إلا القليل، ولاتدخل إلى بنك السودان عملة صعبة تتناسب مع كم هذا الصادر الكبير، ودونكم مقاطع عديدة توثق لكم الشاحنات المصرية والطريق يئن من حمولاتها ذهابا إلى مصر لاعودة!.
وحدث عن السمسم، واسأل عن اللحوم (حية ومذبوحة)، وابحث عن تفاصيل الصمغ العربي، والقطن، والفول، وحتى التسالي السوداني الذي تعاد تعبئته ليباع على متن الطائرات باعتباره لب مصري وبالشي الفلاني، بل وصل الأمر بأن يتم تصدير (الحلومر) مكتوب عليه انتاج مصري!
إذن كيف لاترفض الدكتورة أماني الطويل عودة حكم الاسلاميين للسودان وان كان على بساط الانتخابات!
لقد سمعت من قبل وزير ري مصري سابق يقول في ثنايا مداخلة تلفزيونية في احدي الفضائيات المصرية وهو يتحدث عن سد النهضة:
(للأسف سد النهضة سيفيد السودان في التوسع الزراعي، وبالتالي استغلال كامل حصته المائية).
الشاهد في ايرادي لذلك قول هذا الوزير عبارة (للأسف)!!!
ياترى لماذا يأسف (بعض) أهلنا في مصر عندما تَمْسَسْنا حَسَنَةٌ فتَسُؤْهُمْ؟!
الدكتورة أماني في كل ذلك ليست بدعا ولانشاذا، فالتأريخ الذي كانت تدرسه جله -ان لم يكن كله- يحمل ذات النظرة وال(أماني) غير الحميدة للسودان وأهله، ومنذ مئات السنوات ولا أقول آلافها.
حكى لي صديق رحمه الله عن حادثة خلال فترة تدريس الدكتورة أماني الطويل للتاريخ السياسي للسودان لهم في جامعة عين شمس، وقد كان طالبا فيها عام 2005 فقال:
اعترضت مرة على الدكتورة خلال احدى محاضراتها لنا لقولها بأن مصر كانت تحكم السودان، فقلت لها أذكري لنا اسم حاكم او محافظ مصري واحد حكم السودان، فكان ردها:
هذا هو المنهج الذي كلفت بتدريسه، فإن لم يعجبك فلست مجبرا على حضور محاضراتي.
وليت الدكتورة استمعت لما قاله الراحل محمد حسنين هيكل عن الإمام عبدالرحمن المهدي رحمهما الله عندما سأله الناس لماذا تحاور الإنجليز في شأن استقلال السودان ولاتحاور الجيش المصري؟
قال هيكل:
أجاب عبدالرحمن المهدي بالآتي:
لقد جاءنا الضابط الانجليزي على عربة مصرية، تجرها خيول مصرية، وتدفعها من الخلف أيادي جنود مصريين، فهل تريدني أن افاوض الخيول والذين يدفعون العربة، ام الذي يركبها؟!
(والتسجيل الصوتي بذلك موثق بصوت هيكل في اليوتيوب ان أرادت الدكتورة أماني الاستيثاق، وهي التي اعلم بأن عنوان رسالتها لنيل الدكتوراة كان عن تاريخ السودان).
ولكن الحق يقال، لم يزل في نخب مصر من يناصر السودان وشعبه، ومن هؤلاء الدكتور فاروق الباز الذي له محاضرة قيمة موثقة في اليوتيوب قال فيها:
(في زيارتي الأخيرة لمصر ذهبت برفقة بعض الأصدقاء المصريين للمتحف المصري، توقفت أمام لوحة تذكارية يبلغ ارتفاعها خمس أقدام وأربعة بوصات وتشغل نصوصها مائة وتسعة وخمسين سطراً من الكتابة وتتوجها صورة الإله آمون رع جالساً ويقف أمامه الملك بعانخي وبجانبه ثلاثة ملوك راكعين تحت قدمه هذه اللوحة التذكارية تعرف بلوح النصر.
قلت لزملائي هذا الملك العظيم (بعانخي) هو أشهر ملك سوداني، فبدت الدهشة على وجوههم فقال لي احدهم باستنكار :”بتقول ايه! سوداني؟! إنت بعد كده حتقول انو عندكم أهرامات كمان”
لم ابد ضيقاً لجهل المصريين بالسودان فهذا أمر اعتدت عليه فأجبته بهدوء: ليس هذا فحسب بل الأهرامات السودانية كانت سابقة لمثيلتها المصرية).
هذا جزء مما قاله الدكتور فاروق الباز، والفيديو طويل ويستحق السماع والمشاهدة لكل من تهمه حقائق التأريخ لازيفها.
اختم بالقول وأقول للدكتورة أماني الطويل:
التأريخ لايرحم يادكتورة أماني، واعلمي يارعاك الله بأن مصلحة شعبي وادي النيل تكمن في تطور ونماء ورفعة الشعبين معا، ولن يورث (استحمار) الشعوب إلا الضغائن في الصدور والقلوب على مر الأجيال، ولن تورث حتى النشأة في البيوت محبة، دعك عن تعليم جامعي يناله جيل، وما قصة موسى عليه السلام الذي رباه فرعون إلا مثال.
فالأماني يادكتورة أماني حري بها أن تكون لخير البلدين والشعبين معا، وشعب السودان كان ولم يزل يتغشاه الايثار لا الاثرة، ولم تكن التضحية بمدينة حلفا والعشرات من القرى والآثار لانشاء السد العالي إلا هبة عن طيب خاطر لشعب جار وشقيق، فلا يجرمنك شنآن بأن لاتعدلي في حق وطن وشعب بحاله لتناصري (رفاقا) لم ير السودان منهم إلا الفشل والايشاك على الانهيار، اعدلي فهو أقرب للتقوى، فالمدنية ليست قاصرة عليهم، وخير لمصر ان تكون في السودان حكومة تنهض به ليسعى الشعبان من بعد ذلك لتكامل حقيقي لخير السودان ومصر معا.
ويظل التقدير الاحترام لمصر الجارة وشعبها الشقيق، ولك أيضا يادكتورة. [email protected]