الكتاب

السفيرالصادق المقلي يكتب: اليوم العالمي للمعلم

صوت السودان

 

صادف يوم أمس الخامس من أكتوبر اليوم العالمي للمعلم.. و لكنه يتزامن في نفس الوقت مع حرب عبثية مدمره و كارثة إنسانية وصفت بالاسوأ في العالم و في تاريخ السودان الحديث..

و علي رأس ضحايا هذه الحرب و الذين يسددون فاتورتها علي مدار الساعة لعام و نصف العام المعلمون و المعلمات.. الذين قزفت بهم الحرب ما بين النزوح و اللجوء و المنافي القسرية.. حرموا حتي من مرتباتهم التي لا تكفي حتي في الظروف العادية نفقات اسبوع.. و يدفعون ثمن تداعيات هذه الحرب مرضا و جوعا و فقرا.. حيث يواجهون تحديات تأمين حياتهم و قوت ابنائهم.. فالمعلمون و المعلمات هم ظلوا تلك الشمعات التي تحترق لتنير الطريق لأجيال العطاء
و من رحم تفانيهم و معاناتهم المعيشية تخرجت الاجيال علي مر السنوات في تجرد باذخ و نكران للذات.

و من جهة اخري يمر هذا اليوم.. اليوم العالمي للمعلم و المعلمة و بلادنا تشهد انهيار كبيرا لمعظم مؤسسات الدولة و علي رأسها قطاع التعليم.

لاول مرة في تاريخ السودان يقزف بالشهادة السودانية نحو المجهول..

يتحدث المسؤولون عن اجراء امتحان الشهادة السودانية الموحدة و معظم ولايات السودان غير آمنة ما عدا ثلاث ولايات. عشرات الألاف من الطلاب من ولاية الخرطوم و الغالبية العظمى منهم نزحوا من العاصمة.. كل ولايات دارفور تحت نيران الحرب… معظم مناطق ولاية الجزيرة و غرب كردفان و بعض المناطق في ولاية سنار، ،خارج سلطة الدولة.

كيف تجري هذه الامتحانات و لأي دفعة من دفعتي طلاب الشهادة الثانوية المتراكمتين بسبب الحرب،، و الجامعات التي سوف تستوعب الناجحين من دفعتين من طلاب الشهادة متراكمتين….

خاصة الجامعات الحكومية و التي بسبب عدم الاستقرار تراكمت ايضا فيها دفعات من طلاب العام الجامعي الأول..!! حيث ما برحت اخر دفعة منهَم في سنة أولي جامعة…!!؟؟ لحوالي العام و نصف العام من عمر هذه الحرب العبثية..
و ما الدولة بفاعلة في تلك الجامعات التي نزح منها طلاب الأسر الميسورة الي جامعات في الخارج،، لاكمال عامهم الدراسي، بعد أن يعودوا الي ارض الوطن!؟؟

حتي خريجو الجامعات. فقد فقدت الكثير من الجامعات لسجلاتها الأكاديمية. و بالتالي يتعذر استخراج الشهادات… الامز الذي دفع خبراء للحديث عن تاثير هذا الأمر على مستقبل الطلاب…..

تواجه مؤسسات التعليم العالي في السودان صدمة الحرب المستعرة في البلاد منذ نحو عام و نصف.؟ وتسعى لتجاوزها من خلال استئناف غالبية الجامعات الدراسة عن بُعد، وعقد امتحانات طلابها في داخل البلاد وخارجها. ولكن تعاني هذه المؤسسات من تسرّب الطلاب والأساتذة الذين هاجر مئات منهم.

وكشف تقرير رسمي اطلعت عليه الجزيرة نت أن نحو 120 جامعة وكلية حكومية وخاصة خصوصا في ولاية الخرطوم ينتسب إليها نحو نصف مليون طالب، خسرت بنيتها التحتية بصورة شبه كاملة، قبل أن تمتد الحرب إلى ولاية الجزيرة في وسط البلاد وجنوبها الشرقي. كما تعرضت 6 جامعات في الولايات للتخريب والتدمير منها 3 جامعات في دارفور.

ويتحدث التقرير عن عمليات نهب وتدمير وتخريب الأجهزة والمعدات والمختبرات والمكتبات العريقة بالجامعات، وعن تعرض 4 مستشفيات تعليمية كبيرة للتدمير، بعدما كانت تقدم الخدمة الطبية جنبا إلى جنب مع مهمتها الأكاديمية. وكذلك تخريب المعامل، ومراكز الأبحاث، في المؤسسات التي طالها الدمار.

و ماهو مصير مئات الألاف من الطلاب و التلاميذ الذين وجدوا في المدارس في عدد من ولايات السودان مأوي و ملاذا لهم من الحرب.. بل منهم من يفترش الأشجار و يلتحف بالسماء!؟

و ما هو مصير ملايين التلاميذ الذين سوف يتعرضون لظاهرة الفاقد التربوي بسبب هذه الحرب اللعينة..فاقد تربوي و ما تصحبه من تداعيات سلبية، نفسية و أمنية و مجتمعية.. لاطفال قدف بمستقبلهم نحو المجهول..
نعم ليس لطفل حظ في الالتحاق بقطار التعليم قبل ان يبلغ التاسعة من عمره. بعد تعطيل المراحل بسبب الحرب.لاكثر من عامين،، . بل منهم من لا تستطيع اسرته تحمل نفقات تعليمه حتي و لو بلغ التاسعة من عمره..

تقارير خطيرة لمنظمة اليونيسيف أشارت الي أن الملايين من الأطفال في السودان خارج المظلة التعليمية.
و سيظل هذا التراكم في مختلف مراحل التعليم لأجيال قادمة.

ما حدث لقطاع التعليم من انهيار من الصعوبة بمكان تلافيه.. لا يمكن لطفل في المناطق التي أضرت بها الحرب ان يلحق بقطار التعليم الأساسي إلا وهو في التاسعة من عمره…!!!! هل هناك دمار و انهيار أكثر من هذا.؟ ؟؟انهيار من الصعوبة بمكان تلافيه.. لا يمكن لطفل في المناطق التي أضرت بها الحرب ان يلحق بقطار التعليم الأساسي إلا وهو في التاسعة من عمره…!!!! هل هناك دمار و انهيار أكثر من هذا.؟ ؟؟

ثمة عدة مظاهر لهذا الانهيار ورد في كثير من تقارير المراقبين رسمت صورة قاتمة لحاضر و مستقبل العملية التعليمية في البلاد و اهمها ::

1- (( تأثرت أكثر من ٦٠٠٠ مدرسة في الولايات التي نزح إليها المواطنون ..
مدارس أصبحت دورا للإيواء .

في الولايات التي يجري فيها الصراع أصبحت بعض المدارس إما منصات وثكنات أو أهدافا عسكرية لأحد طرفي الصراع على سبيل المثال (مدرسة المصباح بأمبدة ومدرسة حلويات سعد بالخرطوم) وبعضها في ولاية الخرطوم .
وبعضها أصبحت ساحاتها مدافن للموتى عندما اشتدت المعارك وأصبح الوصول للمقابر أمراً عسيراً كمثال :
(مدرسة أمبدة النموذجية شمال بنين _أمبدة شارع الجميعاب والساحة الخارجية لمدرسة النيل الخاصة امتداد الدرجة الثالثة الخرطوم) .

٢ – تم حجب و تأخير المرتبات في جل الولايات ، وصرف بعضها في القليل من الولايات (نهر النيل _ البحر الأحمر _الشمالية) وفي ولاية الخرطوم صرف مرتب شهر بنسبة ٦٠ ٪ كل أربعة شهور.

_تآكل قيمة الجنيه بسبب انهيار العملة الوطنية جعل صرف المرتبات القليلة لا يسمن ولا يغني من جوع فقد أصبح راتب العامل بالتعليم في الدرجة ١٥ (عمل لأكثر من ١٠ سنوات) يساوي ١٠ دولارات في الشهر، أما مرتب المعلم في الدرجة الأولى (عمل لأكثر من ٣٠ سنة) لا يزيد على الخمسين دولاراً في الشهر .

٣-مصير حوالي مليون من طلاب الشهادة الثانوية أصبح في كف عفريت..

_تراكم الأطفال في سن المدرسة ست سنوات لعام الحرب والعام الدراسي السابق والعام القادم بعد شهر من الآن وهذا العدد ربما يصل إلى أكثر من (٣ ملايين) طفل، ومعلوم ان مواعين الاستيعاب في المدارس لا تلبي ثلث هذا العدد.

_ارتداد تلاميذ الحلقة الأولى (الصفوف من الأول وحتى الثالث) إلى الأمية بسبب طول فترة الانتظار وعددهم يزيد على الثلاثة ملايين، (المرجع إحصائيات لجنة الكتاب المدرسي التي اشرفت على توزيعه في عام ٢٠٢٠م)فقد أكدت اللجنة أن الكتاب المطبوع الذي وزع مجاناً للصف الأول والسادس الابتدائي فاق المليون نسخة للمدارس الحكومية وأكثر من ٢٠٠ الف للمدارس الخاصة.

_معدل التسرب سيزيد بسبب التوقف الطويل عن الدراسة وحالة النزوح واللجوء التي ستؤثر في سلوك الأطفال.

4 – استعادة العملية التعليمية تحتاج إلى مجهود خرافي لترجع للحالة التي كان عليها التعليم قبل الحرب مع العلم انه كان واقعاً يحبو نحو الانهيار وقد وصفته منظمة اليونسيف وأنقذوا الطفولة بأنه كارثة جيل)
هذه الصوره القاتمة للعمليه التعليمية يقف شاهدا علي اسوا و اخطر تداعيات و افرازات هذه الحرب.. تداعيات كارثية لا يسهل تلافيها..و كلما طال أمد الحرب تفاقمت آثارها الكارثه و علي رأسها العملية التعليمية.
فهل يحتكم الجميع لصوت العقل لاسكات صوت البنادق؟؟؟ ؟؟
فالتعليم حق ضمن الحقوق الأساسية للإنسان المنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافيه لعام 1967، و السودان من بين الدول المصادقة علي هذا العهد الدولي..
و بالإمكان أن يعاد اصلاح ما افسدته الحرب… عودة النازحين و اللاجئين الي مقارهم… يوما ما.. التعويض للمتضررين و اعادة الاعمار..
لكن ما حدث لقطاع التعليم من انهيار من الصعوبة بمكان تلافيه.. لا يمكن لطفل في المناطق التي أضرت بها الحرب ان يلحق بقطار التعليم الأساسي إلا وهو في التاسعة من عمره…!!!! هل هناك دمار و انهيار أكثر من هذا.؟ ؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى