الكتاب

أحمد يوسف التاي يكتب: تجربتي مع مشروع الجاسوسية

نبض للوطن

(1)
من يقرأ التأريخ ويحظى بالقليل من سمات التفكير والتدبر يدرك حقيقة ثابتة لاتتغير على مر التأريخ، وهي أن إختراق الدول من قبل المخابرات المعادية لايتم إلا عبر تجنيد جواسيس من أبناء الدولة المعنية.. لكن عمليات التجسس لاتتم بالطريقة المستوحاه من إسمها لأن هذا الاسم مُنفِّر وممقوت لدي الناس أجمعين، ولهذا يسمون التجسس بغير اسمه، والجواسيس بغير ما يوحي بالجاسوسية..
(2)
ولتغطية الأعمال التجسسية أصبحت عمليات التجسس لا تأخذ من إسمها إلا المضمون فقط، وأما من حيث الشكل لاتنفصل عن العمل الدبلوماسي والسياسي والإنساني، ولهذا تحتشد سفارات الدول في البلدان المستهدفة بكبار ضباط المخابرات من أكبر رتبة ألى أصغرها، ويختلط العمل الدبلوماسي بالمخابراتي، ويكون السفير في الغالب ضابط مخابرات خطير وعلى درجة من الدهاء.
وتجتهد المخابرات المعادية في تجنيد كبار السياسيين وكوادر الأحزاب ورجال الدولة والإعلام من خلال الزيارات الاجتماعية واللقاءات وتكوين الصداقات وتمتين العلاقات بالهدايا وتقديم الخدمات للمستهدفين والدعوة للزيارات الخارجية.
(3)
أقول ذلك، والله على ما أقول شهيد عن تجارب ومحاولات تعرضتُ لها من عدة سفارات غربية وعربية اجتهدتْ في تجنيدي جاسوساً ،ولعل قبل اليوم سردتُ محاولة تجنيدي من قبل السفارة الأمريكية في العام 2001 بواسطة ضابطة استخبارات (قائمة بأعمال السفارة) والتي وعدتني بزيارة واشنطون وتلقي دورة تدريبية بالخرطوم وواشنطون باعتبار أني عنصر داعم للديمقراطية في بلادي، فلابد من الوقوف إلى جانبي لخدمة أهداف أمريكا المتعلقة بالتمكين للديمقراطية، ثم انحرفتْ بالإسئلة (الماياها) كما يقول أخونا الأستاذ صبري العيكورة…
طلبت مني تلك المرأة الشقراء التردد لزيارتها ووعدت باستقبالي في أي وقت اريد واعتطني (كارت)، لكني قطعت الصلة بها عقب خروجي من بوابة السفارة لتعاملي بحساسية مفرطة في مثل هذه المسائل
(3)
ونموذج آخر من التجارب التي مررتُ بها مع السفارات.. أن أحد السفراء لبلاد نافذة ومؤثرة إقتصاديا وسياسياً في المحيط العالمي سجل لي زيارتين بمكتبي ودعاني لمكتبه لزيارتين قبل بضع سنوات ، فكان حب الاستطلاع ومعرفة مايريده ذلك السفير أو قل “ضابط المخابرات” دفعني لتلبية الزيارتين، فكان مدخل الرجل هو نفس مدخل (ضابطة المخابرات الامريكية)..
وهو طلب تفسير وتحليل لأحداث وقعت ..وكان اغلب ردي : (كتبتُ عنها للشعب السوداني وللرأي العام وهي ليست سراً ومن يريدها سيجدها بالإرشيف)..
وعن استفساراتهم عن استدعائي بواسطة جهاز الأمن كنت ( أقطعه معهم ناشف) بالقول: (نحن لانلوم جهاز الأمن بقدر ما نلوم مشرِّعي القوانين التي تقيد الحريات، فالأمن جزء من أجهزة الدولة ينفذ القوانين السائدة فقط..
(4)
أحد السفراء العرب هاجمته في مقال ، اشتكاني إلى لجنة الشكاوي بمجلس الصحافة والمطبوعات، فكانت العقوبة أن أوقفتْ اللجنة الصحيفة لمدة ثلاثة ايام والصحيفة كانت هي صحيفة الشارع السياسي، وبعد اسبوع اتصل السفير يدعوني لزيارته والتعاون سوياً بما يحقق لي الكثير من المصالح الخاصة، وبالطبع الدعوة لزيارة بلاده..ولكني لم ألبِ الزيارة،
والأمثلة كثيرة والنماذج متعددة ولايسع المجال لذكرها..
(5)
أعود وأقول إن عدم وجود حساسية في التعامل مع السفراء والسفارات هو في حد ذاته ينطوي على غفلة كبيرة أو غياب الوعي اللازم بطبيعة عمل السفارات المختلط بالمخابرات، وفوق كل ذلك فإن عدم الحساسية في التعامل مع السفارات هو شبهة يجب الإبتعاد عنها عوضاً عن التباهي بها وإظهارها وكأنها أمر جيد..
(6)
الآن وبعد كل هذا السرد أقول أنظروا إلى الدول التي تعادينا وتعمل على تحطيم بلادنا فانظروا إلى الذين يترددون على سفاراتها ولهم علاقات مع سفرائها فأولئك عندي هم المتهم الأول وكفى…وكما يقول صديقنا المحترم عبد اللطيف البوني :(أنا مابفسر وانت ماتقصر)…اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى