تقارير

“التكايا” في السودان تستلهم الجود بالموجود لملئ أواني فارغة

متابعات صوت السودان

يقلص التصاعد المتسارع في معدلات التضخم وأسعار السلع من قدرة المراكز الطوعية، والمعروفة محلياً بـ”التكايا”، التي تقوم بإعداد وتوزيع الوجبات لآلاف المحتاجين من النازحين والعالقين في مناطق القتال في مختلف مدن السودان.

ووفقاً لناشطين في مجال العمل الطوعي، فإن ارتفاع أسعار مكونات الوجبات من بقوليات وطحين وأرز وغيرها بنسب تراوحت بين 100 إلى 200 في المئة، قلص عدد الوجبات المقدمة بمقدار النصف خلال الأسابيع الماضية. في حين تضاعفت أعداد فاقدي القدرة على تلبية احتياجاتهم اليومية من الطعام، مع فقدان أكثر من 60 في المئة من السودانيين مصادر عيشهم بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023.

ويشير محمود، أحد المشرفين على مركز لتوزيع الوجبات الغذائية في منطقة الثورات بشمال غرب أم درمان، إلى صعوبات كبيرة في ظل الأوضاع الأمنية الحالية، والارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية، والزيادة المضطردة في أعداد الطالبين للوجبات الجاهزة.

سد رمق الجوع

يوضح محمود لموقع “سكاي نيوز عربية”: “يضطرنا القصف المدفعي المستمر بين طرفي القتال إلى قطع عملنا في الكثير من الأحيان، كما أن ارتفاع أسعار السلع يدفعنا إلى تقليص عدد الوجبات. قبل نحو شهر كنا نوفر ما بين 300 إلى 350 وجبة بالتبرعات اليومية التي تصلنا، لكن الآن بالكاد تغطي التبرعات لتحضير 200 وجبة، في حين تتزايد أعداد المحتاجين للمعونة الغذائية بشكل كبير”.

ويضيف: “نتلقى تبرعات من أبناء الحي المغتربين ومن المحسنين، لكن الارتفاع المستمر في أسعار السلع يكبح قدرتنا على تغطية الأعداد الكبيرة من المحتاجين للوجبات اليومية.. نشعر بالأسى”. ويشير محمود إلى أنهم باتوا يلجؤون إلى تقديم وجبات أقل من حيث الكمية والقيمة الغذائية، لكنها تكفي لسد رمق الجوع بناءً على القاعدة الشعبية التي تقول “الجود بالموجود”.

وبسبب التدهور المريع في سعر صرف الجنيه السوداني، تضاعفت أسعار السلع الأساسية المكونة للوجبات الغذائية بمعدلات كبيرة، حيث يعتمد السودان في جزء كبير من احتياجاته السلعية على الأسواق الخارجية. وتفاقم الأمر أكثر بعد توقف أكثر من 70 في المئة من المصانع المحلية بسبب الحرب.

يتم تداول الدولار الواحد حالياً عند نحو 2300 جنيهاً مقارنة بـ600 جنيه قبل اندلاع الحرب، مما ألقى بتبعات كبيرة على القدرة الشرائية للسكان التي تأثرت أيضاً بنقص السيولة وتقطع صرف أجور الموظفين الذين يعيش معظمهم في مدن بعيدة عن أماكن عملهم بسبب توقف الكثير من المؤسسات عن العمل.

لحرب تفتك بالمزارعين

بالتوازي مع الظروف الأمنية المعقدة التي أدت إلى إغلاق معظم الأسواق، يواجه السودانيون نقصاً كبيراً في المنتجات الزراعية، حيث تشير تقديرات إلى خروج نحو 3 ملايين فدان عن الإنتاج ودخول أكثر من 800 ألف مزارع في دائرة العوز الغذائي بسبب الحرب.

مع اتساع رقعة الحرب وشمولها نحو 70 في المئة من مناطق البلاد، اضطر أكثر من 12 مليون سوداني للفرار والعيش في المدن والمناطق القليلة التي لا تزال آمنة نسبياً، مما تسبب في تعطيل عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي في معظم أنحاء البلاد.

لكن المعضلة الأكبر تكمن في تركز القتال حالياً في مناطق الإنتاج الزراعي الرئيسية في الجزيرة وسنار ودارفور وأجزاء كبيرة من إقليم كردفان، مما زاد من معاناة السكان الذين يعتمد أكثر من 65 في المئة منهم على الزراعة لتغطية احتياجاتهم الغذائية.

خطر الجوع يهدد أكثر من 25 مليون

قدرت منظمة الأغذية والزراعة العالمية “الفاو” تراجع إنتاج الحبوب في البلاد بما بين 46 إلى 64 في المئة، لكن مع توقف العمل في معظم المشاريع المروية في سنار والسوكي وسنجة والمطرية في الدالي والمزموم، يتوقع أن ترتفع الفجوة الإنتاجية بشكل أكبر.

ووفقاً للأمم المتحدة، فإن خطر الجوع يهدد أكثر من 25 مليون من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 48 مليون نسمة. ويقول هشام علي، أحد الناشطين في العمل الطوعي في منطقة القضارف، لموقع “سكاي نيوز عربية” إن أعداد طالبي المساعدات الغذائية ترتفع بشكل مخيف، مشيراً إلى أن العقبات التي تواجه وصول المساعدات الغذائية تضيف من التعقيدات التي يواجهها الفارون من القتال في مختلف مناطق السودان.

يوضح هشام: “دخلت العديد من مناطق الإنتاج في دائرة الحرب وتحول منتجو الغذاء إلى متلقين للمساعدات الغذائية، مما يضع أعباء إضافية على المنظمات الطوعية التي تعيش هي الأخرى أوضاعاً صعبة في ظل نقص التمويل وارتفاع أسعار السلع المكونة للوجبة اليومية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى