الكتاب

حسين خوجلي يكتب: الرسم بالكلمات

* ذهب الإسلاميون الأشرار، وجاء القحاطة الأخيار، وبمقدمهم امتلأت بلادنا أمناً وقمحاً وتمني. وماداموا ينعمون بكل هذه الإنجازات الخرافية، فلماذا يخافون من الصندوق؟

* الجملة الخطيرة التي لم تقذف بها الرياض في وجه بايدن هي دعونا ندشن القنبلة النووية السعودية، ويومها سنلقي على المشروع النووي الإيراني والإسرائيلي أكاليل الزهور ..
* إلى متى سيظل العلمانيون واليساريون والشعوبيون المصريون يؤجلون مولد قاهرة العز والانعتاق والتحضر وكنز الفرح؟ إلى متى ؟
* الحزب الشيوعي يتحالف مع واجهاته المعهودة والمتخيلة، حتى لا يقول الناس (الحزب الشيوعي يتحالف مع الحزب الشيوعي ) المعلومة الوحيدة التي خاف الخطيب من إشهارها تحالفهم مع حركة كاودا، وجبل مرة المسلحة تحت شعار السودان الشهير (السمحة مذكورة والشينة منكورة)، سمى الحزب الشيوعي تحالفه الأثيري بقوى التغيير الجذري ( قتج ). الخاصية الوحيدة التي كان يمتاز بها الشيوعيون، هي توليد الأسماء والشعارات والهتافات وحتى هذه افتقدوها وسقطوا فيها في زمان الغابرين.
* حكى لي أحد الصحفيين الحكاية الموحية التالية:
في أول عيد بعد التغيير، كنا نجلس في (قطية) الإمام الفولكلورية في منزله العامر بالملازمين، فجاء أحد مرافقي الإمام في عجل ليخطره بأن سعادة الفريق قد وصل. فاستأذنا بالانصراف، أمرنا السيد الإمام بأدبه المعهود بالبقاء في أماكننا للترحيب بالرجل، دخل الفريق البرهان وعانق السيد الصادق بحرارة وهنأه بالعيد السعيد. وقال في ختام زيارته القصيرة مخاطباً السيد الصادق (إننا نعتبرك يا سيادة الإمام أحد حكماء هذا الوطن ونرجو منك المشورة والنصيحة. ونحن نعد أنفسنا تلاميذاً في مدرستكم العامرة بالعلم والخبرات). استأذن بعدها وانصرف. التفت نحونا السيد الإمام قائلاً : ( ما رأيكم في الرجل ؟) وعلى الطريقة السودانية في إبداء الرأي عبر الخاطرة وبلا تدبر قللنا بالإجماع من مقدرات الرجل. صمت بعدها الإمام ولم يعلق. وحين هم بالتحول إلى موضوع آخر قاطعناه قائلين: (سألتنا يا سيادة الإمام عن رأينا في الجنرال ولم نسمع رأيك ؟
حدق الرجل الحكيم هنيهة صوب الأرض وهو يدق عليها بعصاه الشهيرة ورفع رأسه معلقاً :(طلعتوا ما بتعرفوا الرجال، الزول دا جن مصرم ) ضحكنا بأصوات عالية وصاخبة بغرابة الوصف. اتصل بي ذات الصحفي بعد القرارات الأخيرة التي وعد فيها سعادة الجنرال بالانسحاب من المشهد السياسي وتعهده بتسليم السلطة بعد اتفاق الأحزاب فيما بينها على حكومة مدنية ورئيس وزراء متفق عليه والاعداد لانتخابات شفافة ومشهودة، إن حدث الوفاق اليوم أو غداً. وألقى بتلك القرارات صخرة في بركة السياسة السودانية الآسنة. قال لي الصحفي مذكراً ( لقد صدق الإمام هذا الرجل جن مصرم )

* رحل في هدوء الفتى المبارك محمد أبو القاسم ، الداعية والمصلح الاجتماعي وصاحب المبادرات والنقاشات وخبير التدريب، والقادر أبداً على تضميد جراح الآخرين بمراهم البركة والخشية والتقى والوطنية. لقد صنع هذا الفتى المبارك الكثير من الأعمال والأفعال والمعجزات، بالرغم من ضمور العضلات التي عانى منها؛ والتي ما كانت تسمح له إلا بالكاد بتحريك أصابعه صوب اللابتوب. دخلت عليه قبل فترة، فعجبت من هذا العلم الدفاق والتجارب المفتوحة التي يعجز عن صناعتها العشرات من الأصحاء. قلت له ممازحا: ( أنت تملأ علينا يا محمد أفق حياتنا بالكرم والمكارم، والأعمال الفياضة بالرحمة والغوث الفياض، ورغم ذلك فإني لا أرى في غرفتك هذه من متاع إلا هذا السرير الطبي والحاسوب، والغرفة المعقمة. اختصر ضحكته بابتسامة، مترفقاً على صدره الواهن، قال لي ألم تسمع بقصة ذلك الزاهد الذي زاره صديقه المسافر حين حدق في غرفته، فلم يجد إلا سجادة ومصباح وحشوة من القش والليف، فقال المسافر متعجبا أين أثاثك يا رجل؟ فرد عليه الزاهد بسؤال مباغت: وأين أثاثك أنت ؟ فأجابه قائلاً: (أنا بغير أثاث لأنني على سفر، فرد عليه الزاهد وأنا كذلك) كلما تذكرت هذه الحكاية تذكرت رفيقتها، فحين تكالب عليّ اليسار ، وعوت كلابهم فيّ، وهم يمارسون أبشع أسلحة اغتيال الشخصية وحرقها ضدي، اتصل بي مواسياً وكان من أنصار التغيير، وقد كان يزوره في سرير مرضه العشرات من قيادات الأحزاب. قال لي ببلاغة موحية وذات دلالة عميقة، كلما دخل عليّ أحد السياسيين الكبار كنت أقول له وأنا أقدم له بطاقتي الشخصية التي اعتز بها ( أنا حفيد الشهيد الشريف احمد ود طه، وحفيد الشهيد الأنصاري ود غليب راجل كنّور ، وجدي الشهيد عبدالإله خوجلي صنديد دار الهاتف، وجدي الصحفي حسين خوجلي. وبعد هذا يمكنكم أن تقولوا ما تشاؤون. قلت يا ابني محمد ! إن الرسالة والمؤزارة قد وصلت جزاك الله ألف خير. لقد نادى قبل اسبوع والده الصابر وأمه المحتسبة وقال لهم بابتسامة راضية لقد بلغتني البشارة السنية فأنا مغادر، لا تذرفوا على الدموع، لا تنوحوا وتتوجعوا فإني أبشركم بنعمة تغمرني وتغمر الأسرة والوطن، أوصيكم بنقل جثماني إلى وطني، وأن يُصلى عليّ في بيت الأنصار بودنوباوي في مسجد السيد عبدالرحمن، وأن أُقبر في مقابر أحمد شرفي بجوار قبر جدي حسن خوجلي إن تيسر ذلك. صعدت روحه الطاهرة بعدها وهي تحلق عالياً بوقار يشابه انطلاق النوارس المهاجرة إلى البعيد. تقاطرت دموع أبو القاسم وهويدا واختزنوا الحزن الصامت بدعاء طويل، ورفرف على المكان القاهري مقولة السيدة عائشة بنت أبي بكر حين بلغها رحيل الإمام علي بن أبي طالب شهيداً:
وألقت عصاها واستقر بها النوى
كما قر عينا بالإياب المسافر
* وانقضت أربع سنوات من عمر هذا الشعب الحائر ، وقد هرب الحب من القلوب، ومن المخازن الحبوب، ومن المكتبات الكتاب، ومن المشافي والصيدليات الدواء، والأمن من الطرقات، والوسامة من الوجوه، واختفت من المنابر نشوة الأغاني الطروب والتواشيح والقصائد. واستخرج الأمل تذكرة السفر بلا عودة. سألني أحد الصحفيين الشباب عن الموقف الوطني الصحيح من الصراع الأمريكي الروسي في اوكرانيا. فأجبته بالاجتهاد الشعبي التالي الذي أرجو أن يبلغ عقول العامة وأفئدة النخبة:
الما بانيك ولا صارف عليك موجود
عهودو معاك متل خنق الحبل في العود
الأرزاق مقسمة والعمر محدود
والهواء عند كريماً بابو مو مسدود

* اليوم اصطدم في شوارع الخرطوم الشباب الغاضب مع المخلفين الثلاثة زايد واحد الأمة والمؤتمر السوداني والبعثيين وصبيان التجمع الإتحادي. المطبعة حائرة في استخراج بطاقة الدعوة في تظاهرة (جروا) هل تكون صيغة الختام بشكراً، أم العاقبة عندكم في المسرات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى