الكتاب

عادل عسوم: يجوا عايدين

نعم إنها اغنية عشة الفلاتية الخالدة، إحدى أزاهير أغنياتها الوطنية الممجدة لجيشنا، تغنت بها طيبة الذِكر رحمها الله في حفل وداع جنودنا الأشاوس وهم يستعدون للتوجه إلى ليبيا للمشاركة في حرب تحريرها، وقد كان جنودنا عائدون لتوهم من أرض الحبشة (أريتريا حاليا)، بعد أن خاضوا على ترابها معارك ضارية ضد الغزاة الإيطاليين، واستطاع جيشنا- وفي معيتهم جنود من الجيش الهندي وتحت إمرة الجيش البريطاني- هزيمة الإيطاليين بعد أن توغلوا في عدد من المدن، ودخلت قواتنا إلى مدينة كرن منتصرة في عام 1941م واستعادتها من الجيش الإيطالي، وتغنت بذلك الراحلة الفلاتية حين قالت:
يجو عايدين الفتحو (كرن) باينين يا الله.
يجو عايدين بالمدرّع والمكسيم يا الله.
والمكسيم مدفع شهير في ذلك العهد، يستخدمه الجيش الإنجليزي والإيطالي.
وتوجهت قوات جيشنا من كرن إلى ميناء مصوع، ثم أسمرة واستولوا عليها، وكبدوا الإيطاليين هزيمة ساحقة كتبت عنها الصحف الإيطالية بعد أن قُتِلَ المئات من ضباطهم ومن معهم من المجندين من أهل تلك البلاد، واستمرت المعارك الطاحنة ضد الجيش الإيطالي لأكثر من شهرين. ذكر لي نسيبي العم عمر البدوي رحمه الله وهو جد أبنائي، وقد شارك في تلك المعارك برتبة ضابط صف؛ بأن الجنود (الطليان) كانوا يفرّون أمامهم بمجرد سماعهم بقدوم الفرقه السودانية، قال وكنا نُستقبَل من النساء هناك بالزغاريد والدفوف، وتهتف النساء بلغة التقرنجا (سودان مطا)، ومعناها وصل السودانيون، وقد أكد لي والدي رحمه الله ذلك أيضا حيث كان يعمل في السلاح الطبي وشارك في قتال الإيطاليين ولم يكد يبلغ العشرين من عمره، وتحدثت عشة الفلاتية عن قصص عديدة تحكي عن بسالة جنودنا في أرض الحبشة، وهي التي سافرت إليهم بدعوة من التوجيه المعنوي في معية مطربين سودانيين آخرين، وشملت زياراتهم مدينة أسمرا، وتسنى، وكرن، وعدد من المعسكرات في مناطق أخرى، كان ذلك بهدف تقديم حفلات ترفيهية للجنود السودانيين في عام 1940.
وتحدثت الصحف العالمية عن استيلاء الجنود السودانيون على أسلحة ايطالية حديثة جاءت بها سفينة كبيرة تكفي لتجنيد لواء كامل عنوة واقتدارا، واضطر الإيطاليون إلى الاستسلام بعد أن تبينوا تبدد الدعم بالاستيلاء على السفينة التي تحمل الأسلحة والمؤن.
وعادت القوات السودانية إلى ارض الوطن منتصرة ومحملةً بغنائم الحرب من الأسلحة الإيطالية.
وبعد أشهر فقط من عودتهم أتاهم النداء للمشاركة في حرب تحرير ليبيا، وقد حكى لي الوالد رحمه الله الكثير من تفاصيل الحرب في ليبيا، حيث أمضى في مدينة طبرق عاما كاملا.
وفي ليلة السفر من السودان غنت لهم عشة الفلاتية التي تم تقديمها في محطة القطار باسم كروان السودان، وكانت في العشرينات من عمرها، غنت (يجوا عايدين) لأول مرة، وردد معها أهل السودان يودعون جنودهم:
يجو عايدين يجو عايدين
فكري اشتغل،
دمعي انهمر،
الليلة السفر،
ابقي قمره جوه القطر يا الله.
وإن شاء الله سايرين يا الله.
يجو عايدين الفرقة المهندسين يا الله.
للسكة الحديد،
قدمت الحبيب،
الفرقك صعيب،
ماحضرت ليالي العيد يا الله.
يجو عايدين سودانا منصورين يا الله.
يا اخواني ابكي؟
بي عذري اشكي؟
حرقني بعدو والنوم جفى عيني يا الله.
يجو عايدين ضباطنا سالمين وتامين يا الله.
يجو عايدين الفتحو (كرن) باينين يا الله.
يجو عايدين بالمدرّع والمكسيم يا الله.
يجو عايدين سودانا منصورين يا الله.
وها هو اليوم جيشنا الهمام يعيد الذكريات باسترداد الفشقة الصغرى والكبرى، وينتشر في أرض السودان في الدمازين ومن قبلها دارفور، ليقدم الشهداء ويتحمل جنودنا رهق الزود عن الأرض والعرض والضرب على يد كل من تسول له نفسه هتك النسيج المجتمعي.
إنه جيش السودان يا أحباب، إنه درعنا الحامي بعد الله، في إضعافه ضياع لوطننا، فلماذا يتحجج البعض بحجج واهية ويستنكفون عن مساندته وهو يقدم الدماء والأرواح،
والحق أقول كم سعدت عند مشاهدتي- قبل أشهر- لاوبريت جميل بعنوان (جيشنا)، تم بثه في قناة سودانية 24، شارك في أدائه عدد كبير من مبدعي السودان، منهم شرحبيل أحمد، وعمر احساس، وسيف الجامعة، وبلال موسى، وعصام محمد نور، والهادي الجبل، وعاصم البنا، وعبدالله البعيو، ورامي، وإيمان الشريف، وندي القلعة، وملاذ غازي، ومنار صديق، ورؤى محمد نعيم سعد، وسميرة دنيا، وحنان بلوبلو، والدكتور عبد القادر سالم، وهاجر كباشي، ويوسف الموصلي.
كلمات الأوبريت كتبها الشاعر علاء الدين، وهو من ألحان الاستاذ الموسيقار محمد ضرار، وأشرف على تصوير الفيديو كليب المصاحب المخرج الأستاذ سيف الدين حسن، وتم التصوير في المناطق التي استردها الجيش السوداني في الفشقة بولاية القضارف إضافة إلى صور أخرى خاصة بجيشنا الهمام.
وهذه كلمات الأوبريت:
( جيشنا)
جيشنا يا اصل القضيه
جيشنا يا اشرف هويه
يامواقفنا وصمودنا
في الملمات العصيه
جيشنا كلمة
جيشنا حكمهةجيشنا ورده وبندقيه..
انت مننا
نحن منك
جيش بلدنا ياسندنا
انت ياسيفنا وعضدنا
ياكا دخرينا وسندنا
نبني مجدك بي ايدينا
واصلو مابتهون علينا
في حنايا الجوف لانك
انت مننا..نحن منك
نحن شعبك وفيض سليلك
ديمه فايض سلسبيلك
شعبي مامنظور مثيلو
وانت مامنظور مثيلك
تحمي ارضك وتحمي نيلك
وفي العيون دايما نشيلك
فوق ايديك بنخت ايدينا
عهد واثق ليك ولينا
تحمي للانسان كرامتو
والبلد بتعلي هامتو
ديمه تحفظ لي سلامتو
في الصمود تصبح علامتو
لو نقص منك تمامتو
انت جيشنا الما بساوم
وما بفرط في كرامتو..
جيشنا بي مواقفو النبيله
عزو من عزه وخليلها
حامي ارضو
وحامي عرضو
وماسك السكه العديله
جيشنا في كل المواقف
ياهو شيال التقيله
ليكا في الحوبات اسود
في قرانا وفي المداين
ديمه حارسين الحدود
جيشنا يا اصدق عقيده
جيشنا يا اروع قصيده
يادرع وطن الجدود
ليكا بالارواح نجود
مابنفرط نحن فيكا
وبيك رافعين البنود
وكل همنا..ياوطنا
الامان والخير يسود..
التحية لكل من شارك في الإعداد والتقديم لهذا العمل الفني الوطني النبيل، والتحية لكم جنودنا البواسل، والأيدي مرفوعة لله بأن يحميكم وينصركم.
وتجوا عايدين وسالمين وتامين يا الله.
يجو عايدين الفتحو (كرن) باينين يا الله.
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى