الكتاب

نبض للوطن- أحمد يوسف التاي- أحموا القضاء من هؤلاء (3)

(1)
في أوقات الحرب وظروفها التي نعيشها حالياً تحدث انتهاكات كثيرة وتشوهات واختلالات عديدة، ومعاناة أقلها الضائقة المعيشية وانعدام السيولة وتوقف الحياة الطبيعية، والتعايش مع واقع استثنائي اضطراري مرير..
خذ مثلا أمرا بسيطاً وهو توقف صرف المرتبات في القطاعين العام والخاص لمدة قاربت ستة أشهر، وانظر حولك سترى أن التأثير كبير وخطير خاصة في السلطة القضائية..
(2)
في غمرة الشلل التام الذي أصاب الحياة بسبب استمرار الحرب وتوقف صرف المرتبات ، وشح السيولة ينطرح سؤال جوهري كيف هي حال القضاة الآن ولم يصرفوا مرتباتهم لما يقارب نصف العام..؟؟ كثير من الناس يتجاهلون هذه القضية (قضية عدم صرف مرتبات القضاة لمدة ستة أشهر)، وتأثيرها على سير التقاضي بين المتخاصمين وعلى إستقلال القضاء ونزاهته..
لو كان القاضي موظفاً عادياً مثله مثل أي موظف في أي جهاز من أجهزة الدولة المختلفة لكان الأمر عادياً ولما استعصى عليه دخول السوق، والإستدانة من التجار ، كما يفعل كل الموظفين ، لكن القاضي إذا اضطر للإستدانة أوالدخول في أي معاملات تجارية لسد الحاجة من المال، فإنه في هذه الحالة سيفقد الكثير مما نعرفه من صفات القضاة وحساسية موقفهم، فهو ليس كبقية الموظفين، وأي خطوة بهذا الإتجاه ستقدح في شرف مهنته ونزاهته ووقاره وهيبته، ولهذه أمور لها التأثير الفعال في عدالته..لذلك لابد للدولة أن تضع هذا الأمر الحساس في الحسبان والإعتبار، ولابد أن تستثني القضاة مثل الجيش والقوات النظامية الأخرى في عملية صرف المرتبات، فإذا كان الجندي يحارب العدوء في الميدان فإن القاضي النزيه العادل يحارب جيوش الظلم وشبكات الإجرام ، ومافيا الفساد التي تهلك الحرث والنسل مثلما يفعل العدوء تماما…
(3)
إذا تأخرت مرتب أي موظف فبإمكانه أن يستدين من التجار ونحوهم ، لكن كيف لقاضٍ أن يذهب إلى السوق ويستدين من التجار السلع والمواد الغذائية، ويقترض منهم مبالغ مالية لسد حاجته من المال، كيف سيكون تأثير ذلك على عدالته إذا وقف أمامه أحد الدائنين يوما .. القضاة لا أظنهم يُقبِلون على هذه الخطوة مهما كلف الأمر، غير أن الدولة تدفعهم دفعاً لذلك… علمتُ يقينا من بعض القضاة وحتى كتابة هذه السطور أنهم لم يصرفو مرتباتهم، وقد نما إلى علمنا أن المرتبات وصلت قبل فترة، ولكن لا أدري سبب تأخير دفعها..كما علمنا (ليس على سبيل القطع) أن أغلبية منسوبي النيابات تم صرف مرتباتهم..
نقول ذلك لأن القضاء حساس، ولايحتمل (فهلوة) السياسيين، ولا (لكلكة) التنفيذيين وإبطائهم وتلكؤهم..
(4)
العدل قيمة لاتؤجل لأي ظروف، والظلم جريمة لايصح التغافل عنها تحت أي مبرر مهما كان..
والقاضي لابد أن يكون في وضع يمكنه من تحقيق العدل ومعاقبة الظالم ، وحمايته من كل ما يؤثر على أدائه وعدالته ونزاهته ويحفظ مكانته ووقاره، وعلى الدولة أن تراعي هذا بعزم وحزم إن كانت هناك دولة..وقديما قالوا إذا أردت أن تعرف هيبة الدولة فانظر إلى هيبة القضاء وسيادة القانون وقوته….اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة اخيرة:
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.

زر الذهاب إلى الأعلى