الكتاب

مابين (كُرْهٌ) القتال، و(كرهنا) لأخوة يوسف.

عادل عسوم

قال الله تعالى في سورة البقرة:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} 216

القتال يا أحباب أسوأ أحداث هذه الحياة التي نعيش، وقد وصفه ربنا في هذه الآية بكونه (كُرْه)، لكنه -مع ذلك- يعقبه من الخير الكثير، وكم نجد انفسنا كارهين لشيئ ونجد مآلاته من الحسن والإفادة بمكان، فالأمور لاتجري على مقاييسنا وعلومنا كبشر، بل تجري بمقاييس وعلم رب الأرباب الله جل في علاه، الله الذي يعلم الغيب ويرأف ببني آدم بأكثر من الأم برضيعها!.

كم نسمع ونرى أحداثا وقصصا مدهشة تحدث للناس من حولنا، ومن ذلك قصة الذي أتى متأخرا إلى المطار ليجد الموظف استبدل اسمه باسم مسافر آخر، فيحدث الشجار ويغضب صاحبنا أشد الغضب، وإذا بالطائرة تسقط بعد اقلاعها بقليل ولاينجو منها أحد!، هنا… جعل الله -بعلمه ومشيئته وقدرته- هذا الموظف سببا في نجاة إنسان، وكذلك في موت آخر!

اعتدت منذ يفعي الصبر واحتساب كل ما يحدث لي لله، أصبر وأحتسب وان بدا لي في ظاهر الأمر السوء، وبحمد الله لم يخذلني ربي يوما حيث تكون العاقبة والمآل خيرا عميما.

وفي ذلك حكى الله لنا قصة يوسف عليه السلام مع أخوته لتكون لنا عبرة، ولكن من بعد الاعتبار تستحق هذه القصة النظر إليها من زاوية مغايرة، وهي القصة الوحيدة التي وردت في القرآن بسردية كاملة وبكل تفاصيلها…

ولعل الغالب منا عندما يقرأ هذه القصة يجد نفسه ينقم على أخوة يوسف عليه السلام للذي حدث منهم تجاه أخيهم من ظلم وكيد، ولا أنكر أنني نقمت عليهم في البدء، لكن بعد تكراري لتلاوة الآيات الكريمات الواردة في شأنهم وربطها بآية سورة البقرة أعلاه وآيات أُخَر؛ بدت لي حكمة ربنا ومشيئته، مما جعلني أركن إلى رؤية وتناول مغاير لهذه القصة:

جاء في تفسير القرطبي (في الجزء 9، ص130):

أن إخوة يوسف هم:

1 ـ روبيل وهو أكبرهم.

2ـ شمعون.

3 ـ لاوي.

4 ـ يهوذا.

5 ـ زيالون.

6 ـ يشجر وأمهم ليَّا بنت ليان، وهي بنت خال يعقوب.

وولد له من سريتين أربعة نفر هم:

1 ـ دان

2 ـ نفتالي

3 ـ جاد

4 ـ آشر

ثُمَّ توفِّيت ليَّا فتزوّج يعقوب أختها راحيل، فولدت له يوسف وبِنيامين. فكان بنو يعقوب اثني عشر رجلاً.

ثم ذكر القرطبي في ص133:

أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء، لا أولا ولا آخرًا؛ لأن الأنبياء لا يدبِّرون في قتل مسلم، بل كانوا مسلمين فارتكبوا معصية ثم تابوا. وقيل : ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء ثم نبّأهم الله، وهذا أشبه.

إنتهى قول القرطبي.

أقول:

لا جدال بأن إخوة يوسف كادوا له، والكيد معهود في بني آدم منذ أزلهم، ولاغرو أن الكيد إن تاب عنه فاعله وسعى لكسب رضى من كاده فإنه أقرب لعفو الله ورضوانه، والكيد لم ينأ عنه -حتى- بعض خيار الأمة من صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم اجمعين، ومن ذلك ما فعله الصحابي الجليل حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه عندما حدثته نفسه بالكيد فأرسل رسالة مع امرأة إلى مشركي مكة يحدثهم فيها عن عزم النبي صلى الله عليه وسلم للتحرك بجيش لفتح مكة، ولكن أبان نبينا صلى الله عليه وسلم عفو الله عنه لكونه من أهل بدر.

لنعد إلى قصة أخوة يوسف ونبحث عن السبب في كيدهم له:

السبب كان (وَهَما) أصابهم بأن يوسف وأخيه أثيران لدى أبيهم يعقوب عليه:

{إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

فما كان منهم إلا أن خططوا للتخلص من يوسف عليه السلام وهو اليافع حينها (قيل كان عمره 8 سنوات، وقيل 14 عاما).

وقد اختلفوا في كيفية التخلص من يوسف فتعددت الآراء في ذلك:

1ـ قتل يوسف.

2 ـ طرحه ارضاً.

3 ـ إلقاؤه في غيابت الجب.

قال الحق جل في علاه على لسانهم:

{اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}.

وقد رد أحدهم:

{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ}.

وهنا يتبين جليا أن القتل لم يكن بنية العمد والترصد، إنما كان المقصد الأساس إبعاد يوسف ليخلو لهم وجه أبيهم، والتركيب اللغوي في الآية يُعبّرُ جلياً عن ذلك من خلال الجُمَل القصيرة المتلاحقة:

{اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}.

فسوء الطوية لم يكن أصيلا في قلوبهم ووجدانهم، وكم كانت نفوسهم (لوامة) ومعترفة بالذنب، يبدو ذلك جليا في قول كبيرهم عندما يئسوا من تخليص أخيهم (بنيامين)، وقد التزموا لأبيهم من قبل برده إليه، وعاهدوه على ذلك، فامتنع عليهم.

وكبيرهم هذا هو الذي قال لاخوته:

{ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من اللّه} لنردنه إليه؟! ثم أخذ على نفسه عهدا وقال {فلن أبرح الأرض} أي لن أفارق هذه البلدة {حتى يأذن لي أبي} في الرجوع إليه راضياً عني {أو يحكم اللّه لي} بأن يمكنني من استرداد أخي {وهو خير الحاكمين}.

وهناك دليل آخر أجده يستحق وقفة، ألا وهو الوصف الذي رآهم عليه يوسف عليه السلام في ثنايا رؤياه القَبْلِيّة:

 {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}.

لماذا ياترى رآهم (كواكب) بمعية أبويه القمرين إن لم يكن فيهم خير؟!

فمن يُرَى أو يوصف بالكوكب، فقد حُمِدَ ولم ينقَص او يُبخس!

أليس ذلك شاهدا لهم وليس عليهم؟!

وختاما لنسأل أنفسنا ماذا كانت نتيجة كيد إخوة يوسف له؟

النتيجة أنه عليه السلام أصبح وزيرا للمالية ونائباً للملك!

وأصبح السبب والمعين بعد الله في إخراج أهله من ضيق الفقر وإِحَنِ المسغبة إلى فضاءات النعمة والهناء!

{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.

هنا ينبغي أن نقف وقفة:

لنعلم يقينا بأن كل صغيرة وكبيرة تعتري حراك حياتنا مقدرة، وكل كيد تصيبنا سهامه يكون مآله خيرٌ لنا ومحمدة (طالما لم نكن قد ظلمنا أحدا أو اقترفنا جرما، أو كنا سببا لأذى)، والمصاب والكربة مهما كان ظاهرها كالح فإن الله تعالى قال في محكم تنزيله: عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.

من الوضاءات في هذه القصة النبيلة الآتي:

1- الله تعالى عندما أراد ليوسف ان يخرج من الجب، أرسل إليه من يخرجه (وجعلهم فيه من الزاهدين)!.

2- عندما دخل يوسف السجن أرسل الله تعالى (رؤيا منامية) تسللت -بليل- إلى رأس الملك لتكون سببا في خروجه من السجن، ثم أصبح وزيرا للملك ومسؤلا عن الخزائن!

إنه الله الأرأف بنا من الام بجنينها يا أحباب.

 فلماذا اليأس من تفريج كُرَبِهِ؟! ولماذا الشك في حسن الجزاء منه تعالى بالخير؟!

علينا أن نتعلم من القرآن الكريم ومن سورة يوسف بالأخص حسن اليقين في لطف ربنا ورحماته، لنتعلم أن لانكره الأحداث التي تصيبنا، ولانكره الناس من حولنا وان نابنا ظلم من أحد أو فئام، فإننا لانعلم الخير الذي كتبه الله لنا بين طيات أقداره…

أقول:

علينا أن لانكره هذه الحرب الدامية التي نعايشها الآن سائلا الله أن يسلم الناس والوطن من شرها، ولكن قارنوا تفاصيل هذه الحرب وأسرارها:

انها حرب دونها (قصة) لأسرة بعينها…

حرب جعلت أهل السودان يتمايزون بين فسطاطين لاثالث لهما…

حرب سيضع أهل السودان يدهم من بعدها على كل ثرواتهم التي حباهم الله بها…

ودونها -أو لإن انتصر (الاخوة) لاقدر الله- لا أخال ذلك يكون…

ومصير الحروب دوما السكون ونصر الله لمن يرضاه…

وما من ولادة إلا يسبقها مخاض أليم…

والتأريخ يحكي بأن:

مامن حرب نشأت نتاج كيد إلا جعل الله مآلها خيرا على الأرض وأهلها ولو بعد حين…

اقرأوا تأريخ الحروب منذ أن خلق الله الأرض وجعل من أبينا آدم عليه السلام وذريته على الأرض خلفاء…

 ابشر أهلي في السودان بأن الخير الذي سيعقب هذه الحرب لعميم بحول الله.

آمنت بالله

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى