أخبار

تفاصيل صادمة تروى لأوّل مرة عن وفاة الطبيبة “وردة” بخطأ طبي

الخرطوم- صوت السودان

لم يخطر بذهن أحد من الناس ممن هم حول الشابة اليافعة الطبيبة وردة علي محمد احمد بابا وهي تتنقل بين الغرف صباحا ًلترتدي ملابسها وتمشط شعرها استعداداً للذهاب للعمل بالمستشفى الاكاديمي  في السودان، بعدما اعدت الطعام لزوجها، بأن اليوم ستلاقي حتفها بطريقة تنعدم من الإنسانية.

كانت سعيدة، فاليوم مواعيدها لسحب بويضات في مركز (ب) لأطفال الأنابيب و أمراض النساء و الولادة بالخرطوم 2 ، لعل المولى يرزقها بطفل يملأ عليها وزوجها حياتهما.

 في حوالي الساعة العاشرة ، التحقت بها شقيقتها الدكتورة يارا في مستشفى الأكاديمي حيث تعمل وردة طبيبه أسنان لمرافقتها لمركز (ب)، دخلت وردة المركز الساعة 11 جلست هي وشقيقتها وزوجها في الانتظار ، حضر إليهم طبيب التخدير يحمل الملف الطبي الخاص بوردة وناداها أن موعد الجراء الطبي قد آن.

 ذهبت الدكتورة يارا لطبيب التخدير ع.أ وترجته بأن يهتم بوردة جيداً ويرعاها لأنها كانت قلقه بعض الشيء، في حوالي الساعة 12:00 لاحظ زوج وردة أن المريضة التي دخلت قبل وردة قد خرجت من غرفة العمليات، هنا سألهم: أين وردة لماذا لم تخرج بعد؟

 ولعلمهم أهلها بأن الاجراء الطبي الذي ستخضع له وردة بسيط، فإن القلق قد اعتراهم، بدأ العاملون بالمركز بالمراوغة في قولهم وردة بخير ، انتظرونا هنا سنأتي بعد قليل.

نادى الطبيب الذي أجرى سحب البويضات (م.ع) زوج وردة وقال له أن وردة قد نجحت عمليتها ولكن قلبها توقف هنا لم يتمالك زوج وردة نفسه ونادى شقيقتها د.يارا من الاستقبال ، قابلت د. يارا الدكتور م.ع و بادرها بالكلام: ما شاء الله وردة عمليتها نجحت وسحبنا منها 12 بويضة قابلة للتخصيب وهللنا وكبرنا ولكن قلبها توقف!، وسأل د.يارا هل كانت تعاني وردة من أي مشاكل في القلب؟، ردت د.يارا بان وردة شقيقتها الصغرى سليمة، ولا تعاني من أي مشاكل قلبية ولا أي امراض مزمنة.

 وهنا دخلت د.يارا الى صالة كبيرة مليئة بالنقالات و كانت وردة طريحة نقالة اقصى يمين الغرفة، وطبيب التخدير يقف فوق رأسها في محاولة لإيهام يارا أنه ينعش وردة، يضغط على صدرها بصورة غير طبية حيث أن رأس وردة لم يكن في وضع يسمح لطبيب التخدير أن يقوم بعملية إنعاش قلبي رئوي ولحظتها كان يعلم أن وردة قد فارقت الحياة ولكنه أراد أن يوهم أهلها أنه يقوم بعمله.

التفت ورفع كفية “الفاتحة”

 ما لاحظته د.يارا أن وردة كانت على نقالة، ليس حولها أي أجهزة مراقبة لوظائف القلب والرئتين، عندما بدأت د.يارا في سؤالهم، بادرها طبيب النساء والتوليد والذي أجرى العملية لوردة بأنه لا يعلم ما حدث وأنه أجرى العملية وذهب وجلس في مكتبه حيث اخطروه بأن وردة قد توفت، بينما قال لها طبيب التخدير: أنا لا أعلم مشيت وجيت لقيتها ميته”.

 هنا صرخت د.يارا: كيف تقول مشيت وجيت لقيتا ميتة؟، وتابعت “الم يسمع أحدكم و لا حتى الممرضين صافرة جهاز مراقبة العلامات الحيوية منذراً بأن وردة تحتاج لتدخلكم الطبي و مساعدتكم؟”

هنا لاحظت يارا أنه لا يوجد حول وردة أي جهاز لمراقبة العلامات الحيوية “مونيتر”، سألتهم أين المونيتر؟، أجابها اختصاصي التخدير ساخراً، وأشار الى جهاز الصعقات الكهربائية (هذا المونيتر)!، بضحكة ساخرة وهو لا يعلم أن يارا طبيبة، وقد لاحظت يارا بأن وردة عانت من حروق في جلد صدرها نتيجة لإستخدام جهاز الصعقات الكهربائية بصورة مفرطة في محاولة يائسة منهم بأن يستعيدوا نشاط قلبها بعد فوات الاوان.

صرخت فيهم د.يارا هذا ليس مونيتر، وهنا ذهب دكتور التخدير لمخزن مجاور و أحضر جهاز مونيتر صغير يكسوه الغبار و أخذ يمسحه بيديه ويقول هذا هو المونيتر!!

وواصل اخصائي النساء والتوليد (أنا ما عارف!! أنا عمليتي نجحت!! أنا والله ما عارف لكن أنا جو قالوا لي وردة اتوفت!)

أصرت يارا بسؤالهم مره أخرى عما حدث، أخبرها طبيب التخدير، أن وردة شكت الماً موضع العملية وعليه قام بحقنها بمسكن و لكن قلبها لم يتحمله!

كيف لشابة مثلها لا تعاني من اي امراض أن تفارق الحياة بهذه البساطة من جراء مسكن للألم؟، رد عليها بأنها خرجت من غرفة العمليات وكانت بخير وسألها كيف حالك يا وردة؟

فأجابت بانها تشكو الماً في موضع العملية ثم أعطاها عقار بالوريد وذهب وتركها، سالته يارا ما اسم العقار الذي أعطيته لوردة؟ قال لها عقار يدعى (ميدازولام).

 

الميدازولام ليس مسكن للأم إنما مضاد للتشنجات!!، قالت د.يارا كيف تعطوها مثل هذا العقار وتتركوها وحيدة بدون مراقبة علاماتها الحيوية وبدون مراقبة عمل القلب والرئتين؟، وأضافت “لأن هذا العقار معروف بتأثيراته الجانبية التي تؤدي الى فشل التنفس والقلب ، كيف تتركها وحيدة بعد إعطائها مثل هذا العقار؟ ولماذا أصلا حقنتها بالميدازولام؟

هنا سألها أخصائي التخدير هل أنت في الحقل الطبي؟، إجابته يارا نعم، أنا طبيبه نائب اخصائي طب الأسرة وهنا رجع اخصائي النساء والتوليد يكرر: “أنا مخلوع أنا ما عارف الحصل شنو، أنا عملت عمليتي ونجحت و جوني قالوا لي إنها ماتت”.

رفض أصحاب المركز إعطائنا شهادة وفاة لوردة متعذرين بأن لا أحد يموت عندهم!، وأن وردة كانت أول حالة وفاة في المركز، وبعد مضي شهر من وفاة وردة بدأ يتوافد إلينا في المنزل أهل باقي الضحايا الذين فقدوا حياتهم داخل المركز:

١. المهندسة ه . ب من منطقة النهود.

٢. السيد ع . ش .ا من منطقه ربك.

٣. السيدة ع. م من منطقة ام ضوبان.

٤. السيدة أ. أ من دولة موريتانيا.

وما خفي كان اعظم!

 هكذا توفت وردة وهي في ريعان شبابها تاركتاً خلفها أم و أب و شقيقة مفجوعين، هكذا توفت وردة وهي لم تكمل عامها الثاني من الزواج ، ومن هنا بدأت رحلة البحث عن العدالة لوردة.

حاول والد وردة علي محمد احمد بابا فتح بلاغ في مواجهة مركز (ب) والأطباء العاملين به ، قام والد وردة بتقديم شكوى للمجلس الطبي وهنا اكتشفنا نحن أهل وردة بأنه قد تقدمت قبلنا أسرة احدى الضحيات اللاتي فقدن حياتهن داخل مركز (ب) بشكوى للمجلس الطبي ولم يجدوا الإنصاف ومن هنا قرر والد الطبيبة وردة ان يجمد شكوى المجلس الطبي ويتجه للمسار الجنائي، و أخذت الإجراءات زمناً طويلاً وتحول البلاغ الى النيابة حيث واجهت أهل وردة مصاعب عدة، وطلبات تعجيزية من وكيل النيابة الذي طلب منهم في البدء إحضار شهادة من المؤسسات العلاجية الخاصة تفيد بان المركز يفتقر للأجهزة الطبية، استغرق استخراج الشهادة أربعة أشهر أو أكثر.

كان علي بابا يواجه صعوبة بالغة في مقابلة المختصين داخل إدارة المؤسسات العلاجية الخاصة وقام هو والمتحري بأمر من وكيل النيابة بعمل جولة تفتيشية مفاجئة للمركز، وجدوا فيه أن المركز قام بإحضار أجهزة جديدة وعند سؤال المدير الطبي ف.ع عن زمن إحضار هذه الأجهزة ، قالت وبالحرف الواحد احضرناها بعد وفاة وردة .

جاء خطاب المؤسسات العلاجية الخاصة مفيداً بأن المركز كامل و مجهز ولا ينقصه شيء !!، هنا تعلل وكيل النيابة بانه لن يقوم بتوجيه تهم أو فتح بلاغ استناداً على خطاب المؤسسات العلاجية الخاصة، و توالت الطلبات التعجيزية من وكيل النيابة حيث طلب هذه المرة إحضار طبيب مختص في الصيدلة السريرية، قام أهل وردة بالبحث مطولاً لمده تفوق الثمانية أشهر و احضروا طبيباً صيدلانياً يحمل ماجستير في الصيدلة السريرية و أدلى بشهادته مشيراً الى أن العقار الذي أخذته وردة عقار خطير و كان خياراً خاطئاً.

 بعد ذلك توقع أهل وردة توجيه تهم وفتح بلاغ في مواجهة المركز ، ولكن وكيل النيابة لم يصدر أي قرار، بل بالعكس هدد والد وردة بشطب البلاغ او احضار شاهد من داخل مركز (ب) ليشهد معهم، كيف لوكيل نيابة ان يطلب شاهداً من الخصم (جيبوا لي شاهد من جوة المركز إن شاء الله كان الغفير) كما قال!

تم طلب تغيير وكيل النيابة و لكن تم رفض الطلب من قبل وكيل النيابة الأعلى!

في المقابل قام مركز (ب) بفتح بلاغات عدة ضد الدكتورة يارا وزوجها وخمسة من أفراد أسرتها وأصدقائها وعدة شخصيات فعالة في المجتمع، بتهمة اشانة السمعة، وقام الدكتور م.ع بتقديم شكوى في المجلس الطبي لمحاسبة الدكتورة يارا و الدكتورة آلاء صالح حمدتو وابنة عمها الدكتورة سلوى ابو بكر بابا بتهمة اشانة السمعة.

 تواجه اسرة وردة ضغوطات عديدة ولم تتمكن حتى الآن من فتح بلاغ ضد المركز والعاملين به ، قامت أسرة وردة بمواراتها الثرى بإذن دفن من اللجنة الشعبية، الطبيبة الشابة عليها رحمة الله لا تمتلك حتى الآن شهادة وفاة حسبي الله ونعم الوكيل و إنا لله وانا اليه راجعون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى