الكتاب

من “جرف” الفشقة “لدحديرة” ابوعمامة يا سودان لا تحزن (3- 5)

عمار العركى

* مواصلة لسلسلة مقالاتنا عن المشروع الإماراتى ضمن صراع النفوذ والمصالح فى منطقة القرن الإفريقى بالتركيز على السودان ، – وكما أسلفنا بأن هذا مسعى طبيعى لدولة الإمارات لتأمين مصالحها ونفوذها وتموضعها فى نظام عالمى جديد بدأ يتخلق ويتشكل مستخدمة فى ذلك كآفة الأساليب، والوسائل فى سبيل تحقيق وتسويق مشروعها السياسى والإقتصادى الإقليمي معلنة عن نفسها كدولة مؤثرة ومهيمنة ، فكان واحدة من وسائلها تلك الأستحواذ على (مقعد) رئيسى على (طاولة) الآلية الإستراتيجية الأمريكية الخاصة بإعادة صياغة المنطقة وإعادة رسم خارطتها وفق المصالح والتصورات الأمريكية.
– احد أسباب هذا المقدمة ، هو التناول الاعلامي الكثيف للتطورات الأخيرة والخاصة بالتوقيع المبدئى على (صفقة ميناء أبوعمامة شمال بورتسودان) ، وهو اسم الدلع لصفقة (تمكين الإمارات) وتحقيق أطماعها فى تراب الشرق وساحل البحر الأحمر – حيث لاحظنا أن معظم التناول والنقد موجه للجانب السودانى – وصف الجانب السودانى إقتضاه وأقع عدم وجود حكومة تُقرر أو جهات مختصة تُمرر – فى حين ان الأمر ليس بتلك البساطة فى التناول ، فهو أكثر تعقيدا وله إمتدادات وآبعاد أقليمية ودولية حسب ما أشرنا له عاليه ، ( فإن كان الرجل الثانى فى الدولة السَو دانية ، يخرج فى فضائية الحدث ويقول ” نحنا وقعنا على الإتفاق الإطارى غصبا عننا ، كسر رقبة ” ، فما بالكم بالفريق ابراهيم جابر والدكتور جبريل الذين مثلوا الجانب السودانى في التوقيع) ؟؟
* قبل ان نتطرق لتطور (التوقيع المبدئى) ، قمنا بتخصيص هذه الحلقة لإعادة نشر سابق مهم ، من باب الفائدة والربط والفهم لما هو قادم – لعل قومى يسمعون ولو عند منعرج اللوى – حيث كتبنا فى بدايات الصفقة التالى : –
* ورد خبر عن مغادرة السيد وزير المالية د. جبريل إبراهيم، إلى دولة الإمارات الاحد28 /أغسطس الجارى، للوقوف على التجربة الإماراتية في إدارة الموانئ ولإكمال المشاورات حول إنشاء ميناء (أبو عمامة) على ساحل البحر الأحمر،
* اول ما يتبادر فى الذهن العديد من الأسئلة، ما هو دخل وزير المالية فى الشأن (الفنى) لا (الإقتصادي) والخاص بادارة الموانى واكمال المشاورات حول انشاء ميناء ابوعمامة؟
* ثانيا : السيد جبريل ،نرجو الوضوح والشفافية، “فالتجربة الاماراتية” ليس فى حاجة لوقوف والإقامة ثلاثة أيام بأبوظبي ، فالإمارتيين معروفين بعدم التأني في ابرام الصفقات ، ويعملوا بنظرية ” الكاش بقلل النقاش ” ، وما عندهم صبر للدراسات والمشاورات والمطاولات ، وتجربة وزيرة الخارجية السابقة مريم الصادق ووفدها الرفيع خير مثال ، حين زارت الامارات بدعوة التشاور والتنوير بالمبادرة الاماراتية ، وتفأجات بالإخوة الإمارتين قد أعدوا العدة للتوقيع ، لكن الممثلين في الوفد الرفيع كانوا فنين مختصين وخبراء إستطاعوا “مباصرة وتدارك ” الأمر بحكنة وفطنة ، لا قدر الله يا سيد جبريل لو تكرر الأمر معك ، فلا أحسب إن بين وفدك من هو جدير بالمهمة.
* د. جبريل، البضاعة عالية الجودة وممتازة يُسال عنها المستهلك قبل المنتج ، فلو طلبت من قسم الدراسات والمشروعات لديكم تقرير عن “التجربة الأماراتية” ، ولو قام القسم المعنى بمراجعة سفارات الدول الموجودة بالخرطوم والتى لديها تجارب مع الإمارت التى أبرمت عدداً من الاتفاقيات مع دول المنطقة لإيجار وتشغيل موانيها، والتى وصُفت من قبل بعض المراقبون ب”الفاشلة” لتسببها فى عدم الإستقرار بتلك الدول ، والتي باتت بين “دحديرة” المحاكم والتقاضي و”جرف” معارضتها السياسية الداخلية ومواطنيها المتضررين – وبكبسة ذر فى محرك البحث ” قوقل” ستجد سلسلة متلاحقة من الفشل الاماراتي الذريع خلال مساعيها لتحقيق مصالحها الإقتصادية بإيجار موانئ دول المنطقة – ولكن لفائدة التعرف على التجربة وتحليلها لا ضير من سرد مختصر لبعض النماذج:
• أغسطس 2012 ، قررت الحكومة اليمنية إلغاء اتفاقية تأجير ميناء عدن الإستراتيجي لشركة موانئ دبي العالمية، وكان وزير النقل اليمني – حينها – “واعد باذيب” قد طلب عقب توليه الوزارة من الشركة الإماراتية تعديل اتفاقية تأجير الميناء أو إلغاء الاتفاقية، التي وصفها بأنها مجحفة بحق اليمن، وأنها أبرمت في ظروف راعت المصالح السياسية أكثر من الاقتصادية، وقتها ذكرت مواقع إخبارية يمنية أن اتفاقية التأجير أثارت جدلا منذ التوقيع عليها في العام 2008.
• فى العام 2015 ، نشرت وسائل الإعلام المختلفة حينئذ اتفاق السلطات الأرترية والإماراتية عبر اتفاق بين مؤسسة الموانئ الإماراتية وبين الحكومة الأرترية، يقضي الاتفاق بأن تتحصل أرتريا على30% من إيرادات الميناء بعد تشغيله بواسطة المؤسسة الأماراتية، التى بدورها تدفع مقابلاً سنوياً لإرتريا إيجارًا مالياً ،ويستمر الإيجار الإماراتي لمدة 30 عاما قادمات حسب الاتفاق ، ولكن بعد الانسحاب الإماراتي من اليمن نقضت الامارات الاتفاق وتركت السلطات الارترية فى “دحديرة” التعويض و”جرف” المعارضة والمواطنيين الذى ناهضوا الاتفاقية إبتداءً.
• في فبراير 2018، أعلنت شركة ميناء جيبوتي، التابعة للحكومة، إنهاء اتفاقية مشروع مشترك بينها وبين موانئ دبي العالمية متعلق بمرفأ “دوراليه” للحاويات بميناء دوراليه في جيبوتي بسبب عدم تسوية نزاع تعاقدي قائم منذ 6 سنوات، – بحسب تقرير لرويترز- وفي مارس من نفس العام قالت جيبوتي إن موانئ دبي العالمية تقاعست عمداً عن تطوير محطة الحاويات وغيرت مسارات شحنات لتمر عبر ميناء جبل علي في دبي- بحسب تقرير لرويترز.- وبعدها حصلت موانىء دبي في يوليو من العام نفسه على حكم من محكمة تحكيم في لندن لصالحها يفيد بأن الاتفاقية لا تزال سارية وإلزام حكومة جيبوتي بدفع غرامات مالية ـ مما يعنى ميتة وخراب ديارـ وتبع هذا الحكم 5 أحكام لاحقة لصالح موانىء دبي من محاكم تحكيم دولية مختلفةـ بحسب بيان المكتب الإعلامي لحكومة دبي ـ
• فازت شركة “دي بي وورلد” الامارتية في عام 2017 بعطاء قيمته 336 مليون دولار لتطوير وإدارة ميناء بوصاصو لمدة 30 عاما. واعترض كثير من السكان على الصفقة، ونظموا احتجاجات قُتل فيها شخص على الأقل، وقالوا إن الصفقة ستؤدي إلى زيادة الضرائب في الميناءـ بحسب وسائل إعلام صومالية ـ كما أبرمت شركة “دي بي وورلد” اتفاقا مماثلا لميناء بربيرا في منطقة أرض الصومال المجاورة، التي أعلنت استقلالها عن الصومال.
• وكانت الحكومة الصومالية الفيدرالية قد أعلنت إلغاء الاتفاقات، واتهمت الشركة بانتهاك سيادة البلاد. وفي وقت لاحق، أقر البرلمان والحكومة المركزية فى الصومال إلغاء اتفاقية تشغيل الميناء مع الإمارات وإقرار مشروع قانون يحظر نشاط شركة “دي بي وورلد” الإمارتية بالصومال.
* تساؤل أخير ، لو إفترضنا جدلاٍ جدوى الدراسة والمشروع من كل النواحى الاقتصادية والإستثمارية التى يسعها إليها السيد د. جبريل ووفده فهل البئة الإستثمارية والسياسية والإجتماعية بشرق السودان فى الوقت الراهن مواتية ؟ وهل مثل هذا المشروع القومى وغيره من مشاريع إستثمارية إماراتية فى مناطق إستراتيجية وعالية الحساسية، وبتلك الآبعاد يتم التعامل معه بتلك الصورة “الفردية” على مستوى وزارة ووزير ؟؟
* خلاصة القول، من المتعارف عليه في عالم الإستثمار والتجارة وإبرام الصفقات والإتفاقيات توفر السمعة السوقية والكفاءة الفنية والإدارية والإلتزام التام بنصوص الأتفاق ، فعلى الحكومة السودانية التريث والتأنى وعدم الإسراع فى إبرام الإتفاقات الإستراتيجية التى تتعلق بمنطقة البحر الأحمر أو مناطق الحدود الدولية المشتركة ، وإخضاعها لمزيد من الدراسة الشاملة وفق آلية قومية إستراتيجية ، وحتى ذلك الحين ، فللحكومة السودانية “أسوة حسنة” فى تعاملها مع “دحديرة” المبادرة الإماراتية بخصوص مشاريع آراضي الفشقة الزراعية ” لتجاوز “جرف” مشروع ميناء (أبوعمامة) ببورتسودان…… نواصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى