الكتاب

خبر و تحليل.. عمار العركى | الصفقة الإماراتية

⭕ فى وقت سابق ،كشف وزير المالية السوداني د. جبريل إبراهيم بأن. الحكومة الإماراتية تقدمت بعرض لأجل بناء ميناء وليس شراء بجانب زراعة ٥٠٠ الف متر مربع وقال جبريل في مقابلة تلفزيونية على القناة القومية أجراها الصحفي مصطفى ابوالعزائم ان العرض الإماراتي يشمل بناء منطقة صناعية وسياحية متكاملة فيها مطار وطريق قومي لربط الميناء بجانب مشروع زراعي في مساحة ٥٠٠ الف متر مربع وتوقع ان المشروع والذي سيدر مالايقل عن ال٤مليار دولار وأكثر سيعمل دفعة قوية للاقتصاد ، لافتاً إلى “استمرار التفاوض بين الجانبين” فيما يتعلق بالمسائل “القانونية” و”الفنية” و”المالية” عبر “مختصين”.
⭕ الجدير بالاشارة ،ومن خلال مؤتمر صحافى لاحق اضاف د. جبريل ، أن رئيس مجلس السيادة شكل لجنة خاصة تضم عدداً من الولاة والوزراء والجيش والجمارك وجهات أخرى للنظر في العرض الإماراتي ، نافياً بشدة أن يكون قد اتخذ قراراً حول الميناء، مشيراً إلى أن مثل تلك القرارات الكبيرة والاستراتيجية تتطلب قراراً من الدولة بعد استشارة أهل المصلحة في شرق السودان.

⭕ الملاحظة الأولى ، تلاحظ ان د. دكتور جبريل ظل يكرر التناول والحديث عن الصفقة خلال الفترة التى اعقبت صمت رجل الأعمال السودانى وشريك الإمارات فى اتمام الصفقة بسبب اعلانه عنها الغير موفق عبر “رويترز” بصورة أثارت الجدل والشكوك فى الأواسط الرافضة والمتحفطة ، مما يُفسر بأن د. جبريل يحاول انعاش الصفقة والتمهيد لتمريرها.
⭕ الملاحظة الثالثة: هناك ربكة وعدم منطقية وترابط الافادات من ناحية العلاقة بين البناء والشراء ، وما هو المقابل للبناء ، ولا يستقيم اضافة الزراعة “بجانب” البناء ،وما علاقة السياحة بالزراعة ، وهل المطار المزمع إنشاؤه والطريق البرى لصالح فى اطار توفير وسائل الصفقة ؟ ام تلبية لجدوى احتياج محلى؟
⭕ الملاحظة الثالثة: ما هى الجهة التى تقدمت لها الامارات بعرض (البناء لا الشراء بجانب الزراعة) ؟ وهل هى جهة سيادية ام فنية مختصة ؟ فان كانت الأولى فلابد من تصديق وتوجيه ؟ وان كان الثانية فهل ردت الأمر للأولى بإعتبار الصفقة تمس الأمن القومى والإقليمى كونها على البحر الأحمر ” ذو الخط الأحمر ” ؟ والشئ المهم جدا ، عملية التفاوض من قبل المختصين فى المسائل القانونية والفنية والمالية، تابعين لوزارة المالية ، ام من كل الوزارات والجهات المختصة والمعنية بالامر ؟
⭕ عموما ، سندعم ” المختصين والفنيين والماليين” الذين اشار اليهم د. جبريل ببعض المعلومات المهمة التى يجب مراعاتها قبل اتمام الاتفاق.، حيث أبرمت الإمارات عدداً من الاتفاقيات بواسطة “مؤسسة موانئ دبي” مع دول المنطقة لإيجار وتشغيل موانيها، وصُفت من قبل بعض المراقبون ب”الفاشلة” لتسببها فى عدم الإستقرار بتلك الدول ، والتي باتت حائرة بين المحاكم المحلية والتحكيم الدولى و المعارضات السياسية الداخلية ومواطنيها المتضررين – حيث نجد سلسلة متلاحقة من الفشل الاماراتي الذريع خلال مساعيها لتحقيق مصالحها الإقتصادية بإيجار موانئ دول المنطقة – وعلى،سبيل المثال فقط لا الخصر نورد التالى:
⭕ أغسطس 2012 ، قررت الحكومة اليمنية إلغاء اتفاقية تأجير ميناء عدن الإستراتيجي لشركة موانئ دبي العالمية، وكان وزير النقل اليمني – حينها – “واعد باذيب” قد طلب عقب توليه الوزارة من الشركة الإماراتية تعديل اتفاقية تأجير الميناء أو إلغاء الاتفاقية، التي وصفها بأنها مجحفة بحق اليمن، وأنها أبرمت في ظروف راعت المصالح السياسية أكثر من الاقتصادية، وقتها ذكرت مواقع إخبارية يمنية أن اتفاقية التأجير أثارت جدلا منذ التوقيع عليها في العام 2008.
⭕ فى العام 2015 ، نشرت وسائل الإعلام المختلفة حينئذ اتفاق السلطات الأرترية والإماراتية عبر اتفاق بين مؤسسة الموانئ الإماراتية وبين الحكومة الأرترية، يقضي الاتفاق بأن تتحصل أرتريا على30% من إيرادات الميناء بعد تشغيله بواسطة المؤسسة الأماراتية، التى بدورها تدفع مقابلاً سنوياً لإرتريا إيجارًا مالياً ،ويستمر الإيجار الإماراتي لمدة 30 عاما قادمات حسب الاتفاق ، ولكن بعد الانسحاب الإماراتي من اليمن نقضت الامارات الاتفاق وتركت السلطات الارترية فى “دحديرة” التعويض و”جرف” المعارضة والمواطنيين الذى ناهضوا الاتفاقية إبتداءً.
⭕ في فبراير 2018، أعلنت شركة ميناء جيبوتي، التابعة للحكومة، إنهاء اتفاقية مشروع مشترك بينها وبين موانئ دبي العالمية متعلق بمرفأ “دوراليه” للحاويات بميناء دوراليه في جيبوتي بسبب عدم تسوية نزاع تعاقدي قائم منذ 6 سنوات، – بحسب تقرير لرويترز- وفي مارس من نفس العام قالت جيبوتي إن موانئ دبي العالمية تقاعست عمداً عن تطوير محطة الحاويات وغيرت مسارات شحنات لتمر عبر ميناء جبل علي في دبي- بحسب تقرير لرويترز.- وبعدها حصلت موانىء دبي في يوليو من العام نفسه على حكم من محكمة تحكيم في لندن لصالحها يفيد بأن الاتفاقية لا تزال سارية وإلزام حكومة جيبوتي بدفع غرامات مالية ـ مما يعنى ميتة وخراب ديارـ وتبع هذا الحكم 5 أحكام لاحقة لصالح موانىء دبي من محاكم تحكيم دولية مختلفةـ بحسب بيان المكتب الإعلامي لحكومة دبي ـ
⭕ فازت شركة “دي بي وورلد” الامارتية في عام 2017 بعطاء قيمته 336 مليون دولار لتطوير وإدارة ميناء بوصاصو لمدة 30 عاما. واعترض كثير من السكان على الصفقة، ونظموا احتجاجات قُتل فيها شخص على الأقل، وقالوا إن الصفقة ستؤدي إلى زيادة الضرائب في الميناءـ بحسب وسائل إعلام صومالية ـ كما أبرمت شركة “دي بي وورلد” اتفاقا مماثلا لميناء بربيرا في منطقة أرض الصومال المجاورة، التي أعلنت استقلالها عن الصومال، وكانت الحكومة الصومالية الفيدرالية قد أعلنت إلغاء الاتفاقات، واتهمت الشركة بانتهاك سيادة البلاد. وفي وقت لاحق، أقر البرلمان والحكومة المركزية فى الصومال إلغاء اتفاقية تشغيل الميناء مع الإمارات وإقرار مشروع قانون يحظر نشاط شركة “دي بي وورلد” الإمارتية بالصومال.
⭕ خلاصة القول ومنتهاه:
() معلوم بأن كل الموانئ الإقليمية على شواطئ البحر الأحمر ذات ابعاد سياسية وأمنية واستراتيجية واقتصادية متشعِّبة ومُعقدة لا يتم التعامل معها هكذا عند منح أي دولة أجنبية أمتيازاً و استثماراً فيها، اسوة بدول أخرى مشاطئة تشترط مصادقة برلمانية.
() من المتعارف عليه في عالم الإستثمار والتجارة وإبرام الصفقات والإتفاقيات توفر السمعة السوقية والكفاءة الفنية والإدارية والإلتزام التام بنصوص الأتفاق ، فعلى الحكومة السودانية التريث والتأنى وعدم الإسراع فى إبرام الإتفاق وإخضاعها لمزيد من الدراسة، ولها فى تعاملها مع المبادرة الإماراتية بخصوص الاستثمار فى (الفشقة) “أسوة حسنة” لتجاوز (غمامة) مشروع ميناء (ابوعمامة)..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى